الأحد، 3 مايو 2015

تقرير الأستاذة خذيجة الراجي حول يوم من حياة أكادير امشكيكيلن


استقر نظرنا جميعا على أن يكون برنامج الأمسية متمحورا حول آكادير امشكيكلن ومنفتحا على محيطه الاقتصادي والقبلي في إشارة ذكية إلى علاقة التجاذب والتواصل الذي كان بين تلك المعلمة التراثية ومحيطها .
اتفقنا على أن المدخل المفيد للأمسية هو البدء بشريط وثائقي من انجاز الطلبة حول استعداد مدشر امشكيكلن لاستقبال ضيوفه .قام الطلبة فيه بتمثيل الحياة داخل مدشر إمشكيكلن قديما مركزين على اللباس التقليدي ونوع الوظائف والواجبات التي تقوم بها المرأة والرجل بالمدشر استعدادا لاستقبال الضيوف .
وتلا هذه الفقرة عرض شريط تشخيصي بالآمازيغية أيضا بعنوان:"يوم من حياة آكادير امشكيكلن"أبدع فيه الطلبة في استنطاق الرواية الشفوية والتراث المعماري من أجل إعادة الحياة إلى هذا المخزن الجماعي.
ثم عرض شريط مصور عن استقبال إيكودار للزوار من مختلف المناطق المجاورة و من جهات أخرى عبر القوافل التجارية ،وقد جسد الطلبة اللحمة التي كانت بين الأمازيغ المستقرين والعرب الرحل أيام الرخاء والأمن والطمأنينة.
وكان العرض الثالث فرصة لتعريف الحضور بثقافة الرحل ونمط عيشهم .ولجسيد حياة الرحل قام الطلبة بطرق خيامهم وتمثل حياتهم وإعادة انتاج سلوكاتهم اليومية في شريط قمة في الدقة والابداع وبلغة حسانية شاعرة وشاعرية.
وختمت العروض بروبورتاج مصور دقيق عن الواقع الحالي لآكادير امشكيكلن وما آل إليه من خراب وما يتعرض له من إهمال.
ساعات طويلة من البحث والتقصي والتكوين والزيارات الميدانية .حررنا فيها العشرات من الرخص واجرينا المئات من المكالمات الهاتفية وتلقينا فيها كما هائلا من الأوراق لتصحيحها وإعادة توجيهها وأشرطة وثائقية لمراجعتها والمصادقة عليها و قاعدة بيانات لا يستهان بها من صور لايكودار لاختيار الأنسب منها للعرض .
وانبثقت عن المواضيع الأولى أفكار جديدة ..وأبان الطلبة في المراحل عن حماس منقطع النظير.
وجاء اليوم الذي اختمرت فيه الأفكار واتضحت الرؤية وقررنا أن نخوض مغامرة أكبر :مغامرة عرض أعمال الطلبة على ساكنة قرية امشكيكلن...هما امتحانان:
امتحان للطلبة في القدرة على ايصال افكارهم واقناع اهل الدار بالكنز التراثي الذي تحتويه قريتهم. وامتحان أهل قرية امشكيكلن بوضعهم أمام مسؤوليتهم التاريخية في الحفاظ على تراثهم.
اليوم يوم العرض،كل الفرق مستعدة ومتحمسة ،شباب كلهم عزم ويقين وإيجابية ،لم يشوش على الجو الحماسي سوى تأخر الحافلة التي ستقلنا إلى مدشر ايمشكيكلن. دعمنا في اصرارنا وإيماننا بعملنا سر قوتنا أما الدعم المادي فلم نكن ننتظره من احد كان اتكالنا على الله سبحانه سببا في تيسير أمورنا كلها.
يفترض تقديم عمل ضخم كهذا توافر الامكانات المادية لن تتوافر في ظل سوء التقدير أو سوء التدبير أو هما معا لذلك لم نشا ان نعكر صفو عملنا بالمطالبة بدعم مادي قد يأتي أو لا يأتي ،وفضلنا طرق بعض الأبواب ليس لطلب دعم بل وضع الناس أما مسؤوليتهم التاريخية والحضارية والتراثية.تلقينا الدعم من سيدات فاضلات ،أحببن الفكرة وقدرن المجهود فبذلن ما تيسر لهن من أجل توفير سبيل من سبل النجاح.
دعمتنا مؤسستنا بطبع الصور ووضع اطاراتها وبلافتتين للاعلان عن الأمسية وبالحافلة التي أقلتنا إلى مكان العمل.
وتكفلت محسنات جزاهن الله خيرا بتوفير ما يحتاجه 50 طالبة وطالبة من أصحاب المشروع وما يقارب 20 آخرين من طلبة ومرافقين وتقنيين ، من أكل وشرب طيلة يوم العرض. وقدمت أخرى خدمة جليلة للمشروع بتوفيرها للكراسي وأدوات الانارة والصوت والشاشة وعاكس الصورة.وتطوع محب للتراث ،ودون استشارتنا ،بتوفير كراسي إضافية . وكل ذلك من فضل ربي.
ووضع السيد أمين مخزن آكادير امشكيكلن منزله ومنازل مجاورة لمنزله رهن إشارتنا وتحت تصرفنا ،جزاه الله عنا وعن طلبة العلم خير الجزاء.
انطلقنا من باب كلية الآداب على الساعة التاسعة من يوم السبت 14 يونيو ،حضر اغلب الطلبة ولم يتخلف إلا من غاب لمرض أو عذر قاهر ،تخلف وكله أسى وحسرة .يعلمون أنهم ذاهبون لبناء مقاربة جديدة للتراث، ولتأسيس نظرة بيداغوجية جديدة تحترم التراث بأنسنته وتعيد له الحياة بتماهيها فيه.
كانت لنا محطات ولحافلتنا وقفات ،الأولى من أجل حمل معدات الإنارة والصوت والتقنيين المكلفين بها.والثانية ببيوكرى لشراء ما يسد الجوع ويسند العزائم.
وصلنا إلى مدشر ايمشكيكلن حوالي الساعة 11 صباحا ،ورغم ان المدشر لا يبعد عن آكادير إلا بحوالي 60 كلم ونيف فإن تاخر الحافلة وكثرة التوقفات جعلتنا نتاخر في الوصول.
اجتزنا تيكوين وسلكنا طريق تارودانت المحاذي لمطار المسيرة وعرجنا عند مفترق الطرق نحو بيوكرى لنصلها عبر الطريق المار من أمام ضريح شيخها وعلامتها سيدي سعيد الشريف،عرجنا بعدها يسارا متجهين نحو أيت باها ،مرورا عبر ايمي مقورن .ويقع مدشر امشكيكلن على مشارف أيت باها التي يبعد عند ب6كلمترات فقط.
كان الجو صحوا والحراة معتدلة وإن كانت حرارة الزاول مرتفعة قليلا.سعادة الطلبة بالوصول لم يكن يضاهيها سوى فرحة امين آكادير امشكيكلن بوصولهم.محبة واحترام نسجا بينهما منذ شهور وحلم راودهما :طلبة متخصصين في التراث، وامين متخصص في حفظه او على الأقل ما بقي منه.
افرغت الحافلة من المقتنيات وتعاون الجميع عليها ،وانطلقوا في فرح وحبور نحو دار الأمين التي ألفت خطواتهم و اشتاقت إلى حكاياتهم.
اتفقنا في الحافلة على استراتيجية للعمل ، الأمسية بعيدة لكن العمل الذي ينتظرنا لانجاحها مازال كبيرا.فلكل دوره ولكل هذف لابد ان يحققه.
بعد الافطار وترتيب الغرفة انطلقت المجموعات في عملها المقرر والمرصود.اختارت بعض الطالبات جزاهن الله خيرا التكفل بالمطبخ وخدمة الجماعة، وانطلقت أخريات في جولة بالقرية يطرقن الأبواب ويعرفن الناس بالأمسية وأهدافها, وعمل فريق آخر من الطلبة على البحث على مكان استراتيجي لتعليق اللافتة وهرول آخرون نحو المسجد ووسط الدوار لاخبار رجال القرية وتجاذب اطراف الحديث معهم. وقامت فرقة أخرى بتنفيد فكرة خلاقة وهي تجميع حجارة بمنطقة مرتفعة بآكادير امشكيكلن واستعمالها في كتابة رسالة تم طليها بعد ذلك بالصباغة لتكون ظاهرة للعيان واضحة لكل رواد google earth والرسالة هي:
HOMMAGE AUX IGOUDARS
مع شعار جامعة ابن زهر.
وبما أن المناسبة شرط ،وبما ان من الطلبة من ينحدر من الأقاليم الصحراوية فقد تخصص بعضهم في الشاي وتفننوا في تهييئه.
لم نكن ونحن في نشوة الاستعداد نفطن لما يحاك من عراقيل لافشال الأمسية .خصومات قديمة وحروب خفية لا نعلم لها أساس ولا نريد أن نكون فيها طرف،لكننا وجدنا أنفسنا مضطرين إلى خوض فصل من فصولها .
حسن الظن والدفع بالتي هي أحسن هذا هو شعارنا ،لما لا ونحن أمام معلمة تراثية ،تراقب الحركات والسكنات في شموخ وتحد، وتوحي لنا كلما التفتنا إليها بأنها هاهنا شامخة تصارع تقلبات الدهر وتحجرات الأدمغة.
أنطقتني حجارتها وألهمتني القول حين افتتحت الأمسية التراثية :"والله لو قيد لهذا الآكادير أن يتحرك لرمانا بالحجارة وصرخ بأعلى صوته اغربوا عن وجهي جميعكم "
وهي نفسها من أحرقت قلب طالب لبيب وأسرت خاطره وصدح بالقول:"اعطونا مفاتيح إيكودار وسترون الحياة تعود إليها"
تذكرت وأنا أشهد بعض فصول الصراع ،بين جمعية لم نعلم بوجودها إلا أيام قلائل وأمين آكادير الذي تجمعني به شخصيا معرفة وتعاونا ناهز الخمس سنوات حول من سيحدد لنا المكان الذي سنضع فيه شاشة العرض، تذكرت قول الشاعر :أنام ملء جفوني عن شواردها,,, ويسهر الخلق من جراها ويختصم.
لم يسبق لأي مخزن جماعي"آكادير"أن استضاف أمسية تراثية طلابية .هذه إذن أول مرة يحتفي بها شباب بتراثهم على مشارفه وتحت نظره. شباب وأي شباب! طالبأت و طلبة جاءوا من كل أرجاء الجنوب ،من أقصى الجنوب من السمارة والداخلة، ومن آسا و الطنطان وكلميم وسيدي افني ،من واحات درعة :طاطا و فم لحصن وفم زكيد و زاكورة ومن الأطلس الصغير الغربي لخصاص ومن بسيط تزنيت وأربعاء الساحل ومن سهل سوس :أزرو وهوارة وتارودانت ومن الأطلس الكبير الغربي : أولوز.يجمعهم تخصصهم في التراث وإيمانهم بضرورة الحفاظ على الهوية الثقافية التى تستمد وحدتها في تعددها.
جاءوا جميعا لقول:" لا للإهمال الذي تتعرض له "ايكودار"".
توافد علينا الأستاذة وطلبة سلك الدكتوراه وطلبة سلك الماستر تخصص تراث ومحبو التراث ومهتمون ومشجعون ،وكنا كلما حل بين ظهرانينا ضيف تلقفه الطلبة بفرح وحبور وقادوه في جولة سياحية بآكادير امشكيكلن يسابقون الوقت ،قبل أن يحل عليهم الظلام فلا يمتعوا نظرهم بدقائق أموره و دقة بنائه.
تحول طلبتنا إلى مرشدين سياحيين ، مرشدين كما نتمنى ونطمح ،مرشدين مثقفين واعين بقيمة المعلمة التراثية التي نالوا شرف التعريف بها. وكنت كلما نظرت إلى وجه أحدهم وهو يشرح ويسرد حكاية هذا الآكادير ألاحظ سعادته الغامرة .لما لا وقد قادته هذه التجربة الفريدة إلى ان يكون هو مصدر العلم بعد ان كان طالبه.
منذ أربعة أشهر ونيف والطلبة يبحثون ويتقصون عن موضوع ايكودار خاصة ومواضيع تراثية موازية : كاللباس التقليدي والحلي والسوق التقليدي والحصير .
وزعت الطلبة إلى مجموعات تضم كل مجموعة من 5إلى 7 طلبة لكل دوره ومهمة محددة عليه اتقانها والتفاني في الاحاطة بكل جزئياتها.
مجموعة البحث وكتابة التقارير
مجموعة التصوير
مجموعة التشخيص
مجموعة إعداد روبورطاجات مصورة
وتطوع لتأطير هؤلاء الطلبة في دورات تكوينية :كل من الباحث رحال مبارك
الباحث مصطفى المرحوم.الباحثوالاعلامي النعمة ماء العينين .الأستاذة الجامعية والفنانة الفوتوغرافية فريدة بوعشراوي.
وكانت لهم عدة زيارات ميدانية لقرية امشكيكلن ومحيطها بتأطير مني وبدعم من أمين آكادير امشكيكلن السيد مبارك بن عمر

العلاقات المغربية - الألمانية ما بين 1912 و 1966 : نموذج لعلاقات التعاون شمال-جنوب


المحور الأول : العلاقات المغربية - الألمانية ما بين 1912 و 1956

إنه لمن الصعب الحديث عن العلاقات بين المغرب و ألمانيا دون استحضار الأسس و المحددات التاريخية التي انبنت عليها هذه العلاقات الضاربة في التاريخ التي يرجعها المؤرخون إلى سنة 1784 حين عين الإمبراطور " فريدريك الأكبر- Frédéric le grand " قنصله في المغرب، إلا أن علاقات ألمانيا بالمغرب لم ترق رغم ذلك إلى المستوى الذي يمكن معه الحديث عن علاقات دبلوماسية ثنائية خلال هذه الفترة الزمنية، بل إن هذه العلاقات تكاد تكون منعدمة قبل سنة 1873 خاصة و أن ألمانيا كانت منشغلة آنذاك ببناء إمبراطوريتها في أوربا، كما أن صناعتها لم تكن قد وصلت إلى مرحلة متطورة تتطلب البحث عن أسواق خارجية 1 بالإضافة إلى أن ألمانيا كانت تعتبر منطقة آسيا و أمريكا و جزء من إفريقيا مناطق " أعشاش الصنابير" 2 .
وابتداء من سنة 1817 دعت ألمانيا إلى ضرورة فتح قنوات للتمثيل الدبلوماسي في المغرب، لكن المغرب كان ينهج آنذاك سياسة الاحتراز من القوى الأوربية لم يستجب لهذه الدعوة الشيء الذي دفع الجانب الألماني إلى طرح الفكرة من جديد سنة 1852 ، حيث قام القنصل العام الروسي المقيم في إسبانيا والبرتغال بزيارة إلى طنجة للوقوف عن كتب على الأهمية الإستراتيجية و الاقتصادية و السياسية التي يكتسيها المغرب بالنسبة لألمانيا، وكذا بحث سبل إقامة تمثيل دبلوماسي ألماني في طنجة. لكن هذه المبادرة لم تلق أي تمثيل من طرف المخزن المغربي مما جعل العلاقات بين البلدين إلى حدود سنة 1869 تتسم بالغياب التام لأي تمثيل دبلوماسي و بالتالي غياب علاقات التبادل الاقتصادي و التجاري 3 .
إلا أن التحول العميق في البنيات الإنتاجية الذي ستعرفه ألمانيا فيما بعد ، وتحولها من دولة زراعية إلى دولة صناعية ذات رغبة قوية في الأسواق الخارجية و اليد العاملة، بالإضافة إلى الأهمية الإستراتيجية والسياسية للمغرب المجاور للجزائر "الفرنسية" كشفت للمستشار الألماني "بسمارك" عقب حرب سنة 1870 أهمية ربط العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، مما جعله يبادر إلى اتخاذ قرار بفتح القنصلية الألمانية بطنجة سنة 1872 وهو الأمر الذي أعلن عنه بصفة رسمية سنة 1873، و هكذا فقد عهد إلى" فـون كـولـيتش- Von Gulich " بمهمة تمثيل ألمانيا لدى البلاط المغربي، وقد صادف هذا التعيين وفاة السلطان المولى محمد بن عبد الرحمان مما جعل ألمانيا تؤجل إرسال قنصلها وبقائه في جبل طارق في انتظار تنصيب السلطان الحسن الأول .
وقد عرض "كوليتش" على السلطان مساعدة ألمانيا لتكوين جيش مغربي عصري وتزويده بالعتاد الحربي و القيام بإصلاحات أخرى تهم خطوط السكة الحديدية و التلغراف…. إلا أن ألمانيا لم تلبث أن غيرت "كولي تش" وعوضته بقنصلها العام السابق في بيروت " تيودور ويـبـر Théodor Weber "الذي يجيد اللغة العربية وذلك في شهر أكتوبر من نفس السنة (1873) .
وقد اهتم القنصل الألماني الجديد بتنظيم القنصلية الألمانية في طنجة و تزويدها بأطر جديدة وكتاب و مساعدين كان من أبرزهم "منصور ملحمة " الترجمان السوري الجنسية الذي عاش في المغرب حوالي ربع قرن و "الحاج علي بوطالب" إبن أخت الأمير عبد القادر الجزائري، وقد تقدم السفير الجديد لتقديم السلام للسلطان في مدينة فاس صيف سنة 1877، وقد حمل معه من الهدايا للسلطان " آلة لصنع الثلج" مما مهد حسب بعض المؤرخين للحديث عن إبرام معاهدات اقتصادية 4 .
وبصفة عامة بدأت تتزايد المصالح الألمانية بالمغرب، وبدأ المغرب بدوره يحتاج إلى بعض المواد المصنعة و المدفعية اللازمة لتسليح وتحديث جيشه ، وكانت مدفعية "كروب" )الألمانية( هي أشهر مدفعية في العالم في ذلك الوقت، ولقد اتصل الحسن الأول بألمانيا سنة 1877 و أرسل سفارة "السي بن سليمان" وكلفه بالاتصال بمصانع الأسلحة الثقيلة بألمانيا، وفي نفس السنة عهد السلطان إلى "الحاج العربي بريشة " باقتناء كمية من الأسلحة من ألمانيا حيث زوده " ويبر" بقائمة عناوين المصانع الألمانية وخاصة مصانع " دار كروب Krupp " التي زار ممثلها المغرب في السنة الموالية 1878) ( وبعده ابن" كروب" نفسه فيما بعد 5 . و جوابا على سفارة "ويبر" بعث السلطان المغربي الحسن الأول في شهر ماي 1878 سفارة مغربية برئاسة قائد مدينة أسفي " الطيبي ابن هيمة " مصحوبا بأحد القواد وبخمسة مقدمين وكاتب وعدل و عدد من المساعدين.
وقد هدفت سفارة "بن هيمة" إلى إبرام معاهدة تجارية مع ألمانيا وإرسال بعثة عسكرية، وفي أعقاب هذه السفارة مباشرة ورد على المغرب مبعوث تجاري ألماني (conring) للوقوف على حاجيات المغرب 6 .
وفي سنة 1884 بعث السلطان " الحاج محمد بركاش" 7 النائب السلطاني في دار النيابة السعيدة الذي أصبحت تربطه بالإمبراطور الألماني علاقة صداقة قوية .
و سيتم تعويض " Weber " بوزير مفوض جديد هو البارون "شارل طيسطا- " Cl. Testa وذلك في شتنبر 1885 و الذي كـان يعمل في السفارة الألمانية في القسطنطينية حيث كان معروفا في العالم الإسلامي، وقد تم تعويضه بسبب مرض منعه من متابعة نشاطه بالبارون" طرافيرس - Travers " في أكتوبر 1887، لكن هذا الأخير لم يطل مقامه أيضا بالمغرب بسبب حالته الصحية حيث حل محله في يونيو 1888 ممثل دبلوماسي جديد إسمه " والـدتوزون-Waldthausen " .
وبوفاة الإمبراطور "كيوم الأول" وتسلم الإمبراطور" كيوم الثاني" الحكم أرسل السلطان المولى الحسن الأول في 22 يناير 1889 بعثة دبلوماسية برئاسة عامل الشاوية عبد السلام بن رشيد الحريزي مصحوبا بالحاج محمد الزكاري و أربعة ضباط و كاتب، وقد ساعدت هذه السفارة على حصول مزيد من التقارب الألماني المغربي حيث سيصدر الإمبراطور "كيوم الثاني" أمرا بتعيين وزير مفوض جديد بطنجة في مارس 1889 وهو السفير" طاطينباخ Tattenbach " الذي كان له دور بارز في إعطاء نفس جديد للعلاقات الألمانية المغربية، حيث سيوقع بفاس على الإتفاقية التجارية بين البلدين في فاتح يونيو 1890 ، وسيشرف على اقتناء المغرب من ألمانيا ثلاثة سفن تحمل إسم "سيدي التركي" و" الحسني " و " البشير" .
وقد انتهت مهمة " طاطينباخ" سنة 1896 ليعوضه "شينك-Schenck " الذي سيعقبه"فون مانتزينجن-"Von Mentzingen في 24 أبريل 1899 و الذي سيحظى بعناية كبيرة من طرف السلطان المولى عبد العزيز الذي خلف والده السلطان المولى الحسن الأول الذي توفى سنة 1894 . وقد كانت التحرشات الفرنيسة على الحدود الشرقية سببا في البحث مرة أخرى عن مساعدة ألمانيا حيث تم إرسال سفارة إلى الإمبراطور الألماني برئاسة " المهدي المنبهي" صحبة " الحاج عمر التازي" وعدد من المساعدين .
وقد توجت العلاقات المغربية الألمانية خلال هذه الحقبة بزيارة الإمبراطور الألماني "كيوم الثاني" لطنجة في 31 ماي 1905 إبان الجولة التي كان يعتزم القيام بها في البحر الأبيض المتوسط التي كانت تهدف إلى التعبير عن انشغال ألمانيا بالقضية المغربية وتحسيس القوى الاستعمارية بذلك خاصة مع تزايد الأطماع الفرنسية و البريطانية حول المغرب.
وقد تصاعدت الأحداث في المغرب إلى حد المناداة ببيعة المولى عبد الحفيظ بدلا من أخيه السلطان المولى عبد العزيز الذي أعلن عن تنازله على العرش في غشت 1908 ، وقد بعث السلطان الجديد بسفارة إلى برلين برئاسة " محمد بن عزوز" مرفوقا " بالهاشمي العبدي" ابن وزير خارجيته "عيسى بن عمر العبدي" بالإضافة إلى بعض المساعدين والكتاب.
وفي يوليوز 1911 تحركت ألمانيا عسكريا بإرسال سفينتها الحربية "بانثر- Panthère " إلى أكادير للتشويش على فرنسا التي تدخلت بفاس بدعوى إقرار الأمن و النظام، لكن سرعان ما انسحبت ألمانيا بعد أن حصلت من فرنسا على ما كانت تريده من مطامع حيث تم التوصل إلى اتفاق تتخلى بموجبه ألمانيا عن لعب أي دور بالمغرب مقابل تعويض ترابي على حساب الكونغو و الغابون محصلة بذلك على منفذ بحري لمستعمراتها في الكامرون .
وهكذا فقد تخلت ألمانيا عن المغرب و تركت فرنسا طليقة تنفرد به و تفرض عليه التوقيع على معاهدة الحماية في 30 مارس 1912.
هذا إذن، جرد تاريخي مركز للعلاقات الألمانية المغربية قبل سنة 1912 التي تميزت بكونها علاقات اقتصادية أكثر منها سياسية، تتحكم فيها الاعتبارات الاقتصادية و التجارية بالدرجة الأولى، كما أن هذه العلاقات كانت متضاربة الأهداف ، فكل طرف كان يسعى من وراء هذه العلاقات إلى خدمة مصالحه الخاصة، لذلك فإن ألمانيا كانت تتخذ المغرب وسيلة لا غاية ، وسيلة لتحقيق التوازن لسياستها و تأمين مصالحها الحيوية بالمغرب. وقد تم التعبير بشكل مباشر عن ذلك من طرف الدبلوماسية الألمانية ومن طرف المسؤولين السياسيين الألمان، وهذا ما يفسر سرعة تخلي ألمانيا عن المغرب قبيل توقيع معاهدة الحماية مع فرنسا.
ومن المؤرخين من يرى أن العلاقات بين المغرب و ألمانيا توقفت عند هذه الفترة، وهذا ما يحيلنا على طرح تساؤل مشروع مفاده: كيف يمكن الحديث عن العلاقات بين البلدين بعد 1912 السنة التي فرضت فيها على المغرب معاهدة حماية تنص مادتها السادسة على أن ممثلو فرنسا الدبلوماسيون و القنصليون يقومون وحدهم بتمثيل المصالح و الرعايا المغاربة في الخارج، و أن السلطان لا يمكنه أن يعقد اتفاقا ذو طبيعة دولية دون الحصول مقدما على موافقة الحكومة الفرنسية.
هذا بالإضافة إلى أن التمثيل الدبلوماسي و العلاقات الرسمية بين الدول هي مظهر من مظاهر السيادة التي تتمتع بها هذه الدول و هذا ما كان يعوز المغرب في تلك الحقبة.
لذلك سنتناول بالتحليل جميع العلاقات التي جمعت الحكومات الألمانية المتعاقبة مع المغاربة على المستوى الاقتصادي و على المستوى الثقافي و الإعلامي و على المستوى السياسي وذلك في ثلاثة مباحث.

المبحث الأول: الجانب السياسي في العلاقات المغربية الألمانية ما بين 1912 و 1956

يمكن تقسيم العلاقات السياسية المغربية الألمانية خلال هذه الفترة إلى خمسة حقب تاريخية حسب تنوع الحكومات الألمانية المتعاقبة، وذلك في خمسة فقرات كما يلي :
الفقرة الأولى : ألمانيا و المغرب في عهد جمهورية فيمار- (1912-1933) .
الفقرة الثانية : العلاقات المغربية الألمانية خلال فترة الحكم الألماني النازي)1933-1939(.
الفقرة الثالثة : العلاقات المغربية الألمانية ما بين 1939-1914 .
الفقرة الرابعة : العلاقات المغربية الألمانية ما بين 1940 و 1945 .
الفقرة الخامسة: العلاقات الغربية الألمانية ما بين 1945 و 1956 .

الفقرة الأولى : ألمانيا و المغرب في عهد جمهورية فيمار- Weimar (1933-1919)
نتيجة لآنهزام الإمبراطورية الألمانية في الحرب العالمية الأولى سقط النظام الملكي الذي كان قائما في ألمانيا و انتقلت السلطة إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي المعارض الذي أصدر دستورا جديدا للبلاد في مدينة " فايمار- Weimar " في غشت 1919 .
كما أجبرت الحكومة الألمانية في مؤتمر الصلح المنعقد بباريس على توقيع معاهدة " فرساي-Versailles " في 28 يونيو 1919، وهي المعاهدة التي لقيت معارضة قوية من طرف الألمان انتهت بمحاولة انقلاب عسكرية فاشلة في مارس 1920 ضد الحكومة التي أبرمتها .
و تضمنت معاهدة " فرساي" شروطا قاسية من بينها على الخصوص أداء تعويضات للأطراف المتضررة من الحرب، وقد أدى تأخر ألمانيا في دفع هذه التعويضات إلى احتلال القوات الفرنسية و البلجيكية لمنطقة " الرور- Ruhr " الصناعية في 11 يناير 1923 وذلك للضغط على ألمانيا من أجل دفع ما تبقى في ذمتها من تعويضات مما دفع ألمانيا إلى نهج سياسة الاقتراض حتى بلغت ديونها في أبريل 1921 ما مجموعه 138 مليون مارك ذهبي .
وقد ساهمت هذه العوامل في تدهور الاقتصاد الألماني بالإضافة إلى الشعور بالإحباط و الإهانة لدى الأغلبية من الألمان الشيء الذي جعل ألمانيا تغير جذريا سياستها الخارجية التي بدأت تكرس كل جهدها من أجل إعادة النظر في معاهدة " فرساي " وشروطها المجحفة.
وقد أثر هذا العامل بالإضافة إلى المنافسة القوية حول المغرب بين ألمانيا وفرنسا في شل العلاقات والأنشطة الألمانية بالمغرب . فمنذ اندلاع الحرب العالمية الأولى شجعت ألمانيا عناصر المقاومة المغربية في الشمال و الجنوب ضد سلطات الحماية الفرنسية وأمدتهم بالأسلحة و العتاد، لذلك عملت ألمانيا في مؤتمر الصلح المنعقد بباريس عقب الحرب العالمية الأولى وكذا عند توقيع معاهدة " فرساي" على الحد من النفوذ الألماني الشيء الذي دفع ألمانيا إلى التنازل عن امتيازاتها المكتسبة بموجب معاهدة الجزيرة الخضراء لسنة 1906.
و تنفيذا لمقتضيات معاهدة "فرساي" أصدر السلطان المغربي ظهيرا في 11 يناير 1920 يقضي بعدم السماح للألمان بدخول المغرب و الإقامة فيه إلا بتصريح من السلطان، ويحدد الحقوق التي يتمتع بها الألمان و الشركات الألمانية في المغرب ، وأسند اختصاص تنفيذ هذا الظهير للمحاكم الفرنسية .
وبصفة عامة فقد اتجهت السياسة الخارجية الألمانية خلال هذه الفترة إلى استعادة الوضع الدولي لألمانيا داخل أوربا، وكذا إصلاح الاقتصاد الداخلي الشيء الذي يفسر فتور العلاقات المغربية الألمانية خلال هذه الفترة .
الفقرة الثانية : العلاقات المغربية الألمانية خلال فترة الحكم الألماني النازي) 1933-1939 (:
تنازعت السياسة الخارجية الألمانية -عقب وصول الحزب الوطني الاشتراكي الألماني إلى الحكم في 30 يناير 1933- عدة تيارات هي :
- تيار الاستعماريين الرجعيين المتأثرين بالأفكار القيصرية القديمة، ويسعى أنصاره إلى الهيمنة على القارة الأوربية و استعادة المستعمرات الألمانية في ما وراء البحار و العودة إلى حدود سنة 1914 .
- تيار الاشتراكيين الثوريين الذين يمزجون في تصورهم للسياسة الخارجية الفكر القومي بالفكر الاشتراكي، وقد نادى أتباع هذا التيار بفكرة "رابطة الشعوب المضطهدة" بزعامة ألمانيا.
- تيار الفلاحين الراديكاليين الذي نادى بسياسة استعمارية مماثلة لسياسة المحافظين مع دعوته إلى التعاون مع بريطانيا من أجل استعمار مناطق في أوربا الشرقية.
لقد تأثر"هتلر" إذن بهذه التيارات الثلاثة في صياغتها للسياسة الخارجية الألمانية بالإضافة إلى تيارات أخرى كمقاومة "البلشفية" و العداء للسامية و التركيز على فكرة المجال الحيوي و التفوق العرقي، لذلك فقد كان ينظر في كتابه " كفاحي" إلى العرب مثل باقي الشعوب الشرقية نظرة الاحتقار.
لكن رغم ذلك نهجت ألمانيا النازية نفس نهج الدبلوماسية الألمانية التقليدية تجاه العرب، حيث كانت تحاول الظهور بمظهر الدولة المعادية للاستعمار مع أنها كانت تنادي بحقها في استعادة مستعمراتها التي فقدتها عقب الحرب العالمية الأولى.
وفي سنة 1937 نددت ألمانيا بالأساليب الفرنسية لقنع الحركة الوطنية المغربية، كما استطاعت الجمعيات الإسلامية في ألمانيا أن تجذب الطلبة المغاربة إليها قصد الدراسة في ألمانيا و التنسيق بين أعضاء الحركة الوطنية " محمد الوزاني" و "محمد الناصري" و "عبد السلام بنونة " الذين تعاطفوا مع ألمانيا حيث أعرب " أحمد بلفريج" مثلا عن ذلك.
إلا أن ألمانيا مع ذلك كانت تتحفظ في تقديم الدعم المباشر للحركة الوطنية لأنها كانت ترى أن مستقبل "الرايخ الألماني" يقع في شرق أوربا و ليس في جنوبها.
الفقرة الثالثة : العلاقات المغربية الألمانية مابين 1939-1941:
كانت هذه العلاقات ضعيفة جدا خلال هذه الفترة في منطقة المغرب العربي عموما، وذلك بسبب الأطماع الاستعمارية الألمانية التي كانت تساند إيطاليا الفاشية.
كما أن ألمانيا لم تقف إلى جانب دول هذه المنطقة في مقاومتهم للاستعمار الفرنسي و الإسباني و الإيطالي كما فعلت في المشرق العربي. لقد كانت ألمانيا تخطط لجعل المغرب العربي جسرا بين أوربا الجرمانية و المستعمرات الألمانية في أفريقيا الوسطى.
وقد ظهرت الأطماع بعد توقيع الهدنة الألمانية- الفرنسية واحتمال قيام تعاون عسكري بين البلدين خلال سنة 1940 و1941 ، كما ظهرت هذه الأطماع في المطالب الألمانية المقدمة إلى فرنسا في 5 يوليوز 1940 التي تشمل الحصول على 8 مطارات في المغرب، كما اشترطت إسبانيا على ألمانيا في مفاوضاتهما لدخول الأولى الحرب اشترطت من بين ما اشترطت توحيد المغرب تحت حمايتها وتوسيع المنطقة الصحراوية التابعة لها حتى عرض 20 درجة .
كما طالبت ألمانيا بالمشاركة في استغلال الثروات الاقتصادية المغربية أثناء المفاوضات التي أسفرت عن توقيع بروتوكول باريس في 28 ماي 1941 ، وطالبت أيضا بالتنازل عن بعض القواعد العسكرية المغربية ، إلا أن ألمانيا ما بين 1939 و 1940 عملت على كسب ثقة المغاربة وزعزعة ثقتهم في فرنسا وعرقلة تجنيدهم في الجيوش الفرنسية خاصة بعد انهزام هذه الأخيرة.
الفقرة الرابعة : العلاقات المغربية الألمانية مابين 1940 و 1945 :
إبان الحرب العالمية الثانية و ابتداء من سنة 1942 ستبدأ القوات الألمانية في الاندحار خاصة مع بداية إنزال الحلفاء لقواتهم في المغرب و الجزائر، مما دفع بألمانيا لاحتلال تونس و النزول بها و تركيز عملها السياسي على تحريض الحركات الوطنية بالمغرب و الجزائر ضد قوات الحلفاء.
إلا أن ألمانيا لم تتعاون بما فيه الكفاية مع قادة الحركة الوطنية بالمغرب حيث أبلغت وزارة الخارجية الألمانية في غشت 1941 قنصلها العام في تطوان بأن السياسة الألمانية نحو المغرب تحكمها الاعتبارات التالية :
1. متطلبات سير الحرب.
2. علاقات ألمانيا بفرنسا )بيتان( و إسبانيا )فرا نكو( .
3. عدم شمول التصريح الألماني الإيطالي الصادر في 23 أكتوبر 1940 المغرب.
وفي 11 نونبر 1942 أعرب القنصل الألماني في تطوان بعد ثلاثة أيام من إنزال فوات الحلفاء في المغرب عن نوايا ألمانيا تجاه المغرب ، حيث رفضت الحكومة الألمانية أن تصدر بيانا بشأن استقلال المغرب على غرار البيان الذي صدر عن دولتي المحور بشأن استقلال دول المشرق العربي، وفي هذه الأثناء أبدى "الكلاوي" باشا مراكش استعداده للتحالف مع خليفة السلطان في الريف والتعاون مع ألمانيا، كما اتصل السلطان المغربي المخلوع المولى عبد العزيز بأحد ضباط الإستخبارات الألمانية في طنجة و أبلغه أن ألمانيا أصبحت تتمتع بتعاطف قوي من الشعب المغربي محفزا إياها للخروج عن تحفظها وتصدر تصريحا تعترف بموحبه بإستقلال المغرب، وقد أكد عبد الخالق الطريس نفس الملتمس للقنصل الألماني في تطوان " ريختر-RICHTER " في نونبر 1942 مبديا استعداده للتعاون مع ألمانيا و السفر إلى برلين لتأسيس لجنة مغربية تتعاون مع الزعماء العرب المقيمين هناك.
و من جهة أخرى،اتصل أحد المقربين من البلاط الملكي بالقنصل الألماني"كروغر-KRUEGER " للتعرف على نوايا ألمانيا نحو المغرب بعد الإنزال الأمريكي، إلا أن هذا الأخير رفض تقديم أي تصريح رسمي يتضمن وعدا سياسيا بشأن استقلال المغرب .
فكما يبدو إذن اتخذت الحكومة الألمانية موقفا صريحا من جميع هذه المحاولات، حيث كانت ترفض الاستجابة لأي مطلب وطني يتعلق بالاعتراف باستقلال المغرب لأن ذلك يتعارض مع مصالح فرنسا وإسبانيا اللتين كانتا محور اهتمام ألمانيا و ذلك بهدف كسبهما في الحرب إلى جانبها.
الفقرة الخامسة : العلاقات المغربية الألمانية ما بين 1945 و 1956 :
تأثرت العلاقات المغربية الألمانية خلال هذه الفترة بإطارها السياسي العام، حيث قاد انهيار ألمانيا في الحرب العالمية الثانية إلى احتلالها و تقسيمها من قبل الحلفاء ، وأقيمت سنة 1949 جمهورية ألمانيا الإتحادية في مقابل جمهورية ألمانيا الديمقراطية في الجزء الشرقي من ألمانيا، وقبل ذلك أقيمت دولة إسرائيل على جزء من الأراضي الفلسطينية.
وهكذا فقد تطورت دبلوماسية ألمانيا الإتحادية و تعاملت مع الدول العربية ، لكن قيام ألمانيا الإتحادية بالموافقة على تحمل المسؤوليات القانونية المترتبة على ألمانيا النازية بغية التكفير عن "خطيئة" النازية تجاه اليهود، ترك تأثيرات سلبية كبيرة على الجانب العربي . و للإشارة فإن ألمانيا الإتحادية التي قامت إثر انهيار ألمانيا النازية سنة 1949 ظلت تحت سيطرة القوى الحليفة الغربية المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وكانت حرية الحركة السياسية و القانونية للسلطة الألمانية الإتحادية محدودة جدا وخاصة ضمن مجال العمل في الشؤون السياسية الخارجية المرتبط بالقوات الحليفة .
وقد حدد " ادناور كونراد" عقب انتخابه مستشارا إتحاديا في شتنبر 1949 في البيان الحكومي الأول لجمهورية ألمانيا الإتحادية هدفين مهمين ستعمل حكومته على تحقيقهما، وهما : الإندماج بالغرب ، و إعادة توحيد ألمانيا.
كما أن سياسة عدم الإعتراف بجمهورية ألمانيا الديمقراطية كانت إحدى الأولويات السياسية لألمانيا الإتحادية حتى عام 1965، وقد أقرت من أجل ذلك مبدأ "هالشتاين- Hall Stein " الذي يعتبر إقامة أي علاقة مع جمهورية ألمانيا الديمقراطية من قبل أي دولة ثالثة بأنه عمل غير ودي و يعطي لألمانيا الإتحادية الحق في فرض عقوبات تصل إلى قطع العلاقات الديبلوماسية مع تلك الدولة الثالثة .
و لابد أن نشير في هذا الإطار إلى اعتراف ألمانيا الاتحادية بإسرائيل عندما وقع المستشار"ادناور" اتفاقية " لوكسمبورغ " في 19 شتنبر 1952 يقبل فيها أن تكون إسرائيل شريكا في اتفاقية دفع التعويضات أي أن يتم دفع التعويضات لإسرائيل .
فكما يتضح إذن ركزت السياسة الخارجية الألمانية كل جهودها خلال هده المرحلة من أجل إعادة تأهيل ألمانيا المقسمة، و عدم الإعتراف بألمانيا الديمقراطية و دفع التعويضات لإسرائيل . وهذا ما جعلها تنصرف عن علاقاتها مع الدول العربية عموما و المغرب على سبيل الخصوص إلى الأمور السالفة بانشغال أعمق و اهتمام أكبر، كما أن المغرب في هذه الفترة كان يصارع من أجل تحقيق استقلاله الشيء الذي اعتبرته ألمانيا يكتسي طابعا ثانويا ضمن الإطار العام للسياسة الخارجية لألمانيا الإتحادية .
المبحث الثاني: الجانب الإقتصادي في العلاقات المغربية الألمانية ما بين 1912 و سنة 1956:
يرجع المؤرخون تاريخ العلاقات الإقتصادية بين ألمانيا و المغرب إلى نهاية القرن السادس عشر، حيث بدأ التجار الألمان في زيارة المملكة الشريفة ابتداء من سنة 1605، كما أن دور التجارة الألمانية اهتمت بالمغرب و بمؤهلاته الإقتصادية حيت بعثت دار " ويسلر- Wissler " ممثلها إلى فاس قصد شراء الزعفران سنة 1506 .
و في سنة 1802 أبرمت مدينة "هامبورغ - Hambourg " أول اتفاق تجاري مع المغرب، وفي سنة 1890 أبرمت أول اتفاقية تجارية بين الإمبراطورية الألمانية و المملكة المغربية )اتفاقية فاتح يونيو1890( حصلت بموجبها البضائع الألمانية على تخفيض في الرسوم الجمركية مقداره % 19 ، و أنشأت ألمانيا خطا بحريا بين الموانئ الألمانية و الموانئ المغربية، وبلغ وزن البضائع الألمانية التي يستقبلها ميناء الدار البيضاء سنة 1885 :34% من مجموع البضائع التي يستقبلها الميناء. كما بلغ عدد البواخر الألمانية التي ترددت على الموانئ المغربية 222 باخرة خلال عام 1898، كما قدمت ألمانيا قرضا للمغرب سنة 1905 قدره 10 ملايين مارك، وفي سنة 1906 حصلت ألمانيا على امتياز بناء ميناء طنجة وشاركت بقرض للحكومة المغربية مقداره 105 ملايين مارك عام 1910 وحصلت على 17% من أسهم شركة التبغ المغربية، كما بدأت الشركات الألمانية ذات الشهرة العالمية في الإهتمام بالمغرب، و نشير هنا على الخصوص مساهمة " كروب" و " مانيسمان" في ميدان المناجم و كذا في الميدان الفلاحي.
و على صعيد التبادل التجاري زادت واردات المغرب من ألمانيا من 7،1مليون فرنك سنة 1910 حتى بلغت 18،2 مليون فرنك سنة 1913 .
فهل استمرت إذن هذه العلاقات الإقتصادية بين البلدين بنفس الوثيرة و الديناميكية بعد توقيع المغرب على معاهدة الحماية ؟ أم أن هذه العلاقات تراجعت بفعل الضغوط و المنافسة مع فرنسا و إسبانيا وغيرهما ؟
و بعد توقيع معاهدة الحماية بين المغرب و فرنسا في 30 مارس 1912 تم إقصاء ألمانيا من دائرة النفوذ و التنافس حول المغرب مما أثر بشكل ملحوظ على المعاملات التجارية و العمليات الإقتصادية بين البلدين عند بداية عهد الحماية .
لكن بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عرفت العلاقات المغربية الألمانية قيام حركة إقتصادية شبه منتظمة تجلت في تبادل السلع بين البلدين رغم المشاكل الإقتصادية التي تعرفها ألمانيا خلال هذه الفترة و التي تجلت أساسا في نقص العملية التي أثرت على قدرة ألمانيا التصديرية، وفي المقابل أغرقت البضائع المغربية بقوة الأسواق الألمانية، ومن بين هذه البضائع الحمضيات، السردين، و الزرابي إلخ…
لكن العلاقات المغربية الألمانية خلال هذه الفترة لم تصل بعد إلى مستوى التعاون الاقتصادي الحقيقي، حيث لم تكن هناك استثمارات بين الجانبين ولا تنقل لرؤوس الأموال ولا تبادل للتكنولوجيا و الخبرة، فقد تحددت هذه العلاقات في تبادل للتكنولوجيا و الخبرة، فقد تحددت هذه العلاقات في تبادل بسيط للسلع و البضائع بين الطرفين .
ومن جهة أخرى تأثرت العلاقات المغربية الألمانية بظروف الحرب ومتطلباتها، حيث اعتمدت ألمانيا على وسطاء تجاريين للتعامل مع المغرب واستغلال خيراته حيث كان يصدر المغرب ظاهريا بضائعه إلى فرنسا، إلا أن وجهتها كانت تتحول إلى ألمانيا و حليفتها إيطاليا و ذلك لتجنب الإصطدام مع المغاربة وفتح جبهة جديدة مع فرنسا في المغرب .
كما أن التحولات التي قامت بها ألمانيا لصالحها في المغرب لا تتضمنها الإحصائيات الرسمية، حيث يصعب تحديد الصادرات المباشرة إلى ألمانيا التي كانت تسيطر على السلع إما عن طريق شركات تجارية أو بعد وصولها إلى الموانئ الفرنسية.
و عند احتلال ألمانيا لفرنسا الدولة الحامية بالنسبة للمغرب خلال الحرب العالمية الثانية، تأثر المغرب سلبا بهذا الإحتلال حيث تم حرمان المغاربة من المواد الضرورية، فالشعير الموجه من المغرب إلى ألمانيا عبر فرنسا المحتلة ارتفع من 58.500 طن سنة 1939 إلى 139.500 طن سنة 1941، وتراجع فيما بعد في ظرف 10 أشهر إلى 75.563 طن سنة 1942 بفعل الإستغلال المكثف. أما بالنسبة للمواد المعدنية فقد تراجعت من حيث الصادرات ما بين يونيو 1940 و نونبر 1942، فتصدير الفوسفاط و الرصاص تراجع بنسبة الثلث من معدل تصديرهما قبل الحرب .
كما تسبب هذا الإحتلال في حدوث خسائر مباشرة وغير مباشرة نتيجة للقرارات السياسية و الإقتصادية التي فرضتها ألمانيا على فرنسا مما كان له نتائج سلبية على المغرب، فقد اتخذت تدابير من طرف حكومة " فيشي" بإيحاء من ألمانيا طبقت في المغرب باعتباره جزءا من مناطق الميتروبول التي تخضع للتشريع الفرنسي الجديد، و هكذا تم عزل و التشطيب على العديد من موظفي الخدمات الإجتماعية و المؤسسات العامة لأسباب سياسية و عنصرية، كما تم ترحيل حوالي 1800 عامل للعمل في ألمانيا.
وفي المجال النقدي نتج عن احتلال الميتروبول من طرف ألمانيا هروب رؤوس الأموال إلى المغرب لكنها لم تستثمر بسبب الظرفية غير الملائمة، فسبب ذلك تضخما كبيرا انتقلت معه قيمة التعامل بالأوراق النقدية من مليار فرنك في 30 يونيو 1940 إلى 5 مليارات في 30 يونيو1942 .
كما نتج عن العمليات الحربية في الحرب العالمية الثانية حدوث خسائر في أملاك الدولة المغربية قدرت ب : 62 مليون فرنك و خسائر ممتلكات الخواص التي قدرت ب 35 مليون فرنك و خسائر أسطول الصيد البحري المغربي ب : 4 مليون فرنك، بالإضافة إلى خسائر أخرى غير مباشرة تجلت في فقدان الأسواق العالمية وتوقف نمو الإقتصاد المغربي الذي انطلق بصورة جيدة قبيل اندلاع الحرب .
و بصفة عامة فقد تأثرت العلاقات المغربية الألمانية خلال هذه الفترة بظروف الحرب و متطلباتها لذلك فإن هذه العلاقات سوف لن تتضح إلا بحصول المغرب على استقلاله سنة 1956 و إعادة ألمانيا بناء اقتصادها الذي دمرته الحرب العالمية الثانية، حيث سيتم تتويج هذه الرغبة المتبادلة في بناء علاقات إقتصادية و تجارية بالتوقيع على اتفاقية التعاون التجاري في 14 أبريل 1961 التي ستتجدد تلقائيا كل سنة، متبوعة باتفاقيات التعاون المالي و التقني و الاقتصادي الموقعة في 24 نونبر 1966 القابلة للتجديد كل خمس سنوات.

المبحث الثالث: الجانب الإعلامي و الثقافي في العلاقات المغربية الألمانية ما بين 1912 و 1956:

تمتد العلاقات المغربية الألمانية على المستوى الثقافي إلى القرن التاسع عشر، حيث قام الجغرافي الألماني Heinrich Barth سنة 1845 بزيارة إلى المغرب و قام بعدة دراسات على المدن المغربية، و في سنة 1852 حل عام الآثار الألماني Matzan بمنطقة الريف و الصويرة و مراكش، وفي سنة 1861 اعتنق الطبيب الألماني Gerhard Rohlfs الإسلام و دخل في خدمة السلطان، و قامت بعد ذلك عدة بعثات استكشافية ألمانية بالمغرب بقيادة الدكتور Lenz سنة 1879 . وقد ساهمت هذه الزيارات بالتعريف بالمغرب لدى الألمان مما جعل العلاقات بين البلدين تتوطد مند هذه الحقبة الزمنية.
وبعد الحماية استمرت ألمانيا تتمتع نسبيا بالتعاطف من طرف الكتاب المغاربة رغم تخليها عن المغرب على المستوى الرسمي، وقد تعزز هذا الرصيد من التعاطف إبان الحرب العالمية الأولى عندما كانت ألمانيا تحارب في نفس صف العثمانيين بالإضافة إلى مساعدتها المحدودة لحركة "أحمد الهيبة" ضد القوات الفرنسية و حركة محمد بن عبد الكريم الخطابي ، لذلك فقد استغلت ألمانيا هذا الرصيد التاريخي للعلاقات المغربية الألمانية في دعايتها الموجهة إلى المغرب.
و هكذا فقد استطاعت برلين أن تستقطب عددا من الزعماء العرب وضمنهم المغاربة المناهضين للإستعمار الفرنسي و الإنجليزي فتكونت بذلك جالية إسلامية مهمة ببرلين كان زعيمها مغربيا إسمه عبد الوهاب و مركزها المسجد الأعظم برلين .
كما تأسست رابطة الثقافة الإسلامية ومكتب المغرب العربي ببرلين ، فبالنسبة للرابطة فقد تأسست سنة 1933 بإيعاز من شكيب أرسلان ، و كانت مند بداية نشاطها تضم بعض الشخصيات المغربية مثل عبد السلام بنونة ، و المكي الناصري، ومحمد حسن الوزاني، كان يترأسها النمساوي "عمر رودولف فون إهرنفيلس" .
ومن جهة أخرى، ركزت ألمانيا اهتمامها على الجانب الإعلامي في علاقتها مع المغرب و ذلك للدعاية لسياستها و التأثير بها على الأوساط المغربية ضد فرنسا، فابتداء من سنة 1939 شرعت إذاعتي برلين و شتوتكارت في بث برامج باللغة العربية و الفرنسية تجاه المغرب وشمال إفريقيا، حيث ركزت هذه البرامج على دعم السياسة الألمانية النازية و إقناع المتلقي المغربي بأن ألمانيا صديقة للإسلام و المسلمين و حثه على عدم اختيار الجبهة العسكرية المضادة لألمانيا.
و كان العراقي يونس بحري هو رئيس القسم العربي بإذاعة برلين، و هو شخصية معروفة من لدن الأوساط الوطنية المغربية، فقد حل بالمغرب سنة 1930 وزار كلا من فاس و الرباط وسلا و تطوان و طنجة، وعند حلوله بعاصمة المنطقة الخليفية، كان في ضيافة عبد السلام بنونة، وقد لعب يونس بحري دورا أساسيا في ربط الصلات بين الوطنيين المغاربة و شكيب أرسلان، و كان نشاط يونس بحري بإذاعة برلين معززا بمجهودات شخصيات عربية مختلفة من بينها المغربي " تقي الدين الهلالي " .
و قد كان مفعول هذه الدعاية قويا رغم قلة عدد أجهزة الراديو المتواجدة بالمغرب و التي لا تتجاوز 4660 جهازا في سنة 1938 الشيء الذي دفع فرنسا إلى اتخاذ تدابير صارمة قصد الحد من انتشار أجهزة الراديو في الأوساط المغربية.
وقد اتجهت الدعاية الألمانية إلى الإشادة بثورة عبد الكريم الخطابي في الريف و الإدعاء بأن انتصار ألمانيا في الحرب هو انتصار للعرب و المغاربة، و أن ألمانيا ستنتقم للمغاربة من الفرنسيين وستطردهم من شمال إفريقيا.
كما استخدمت إذاعة باريس العالمية بعد استسلام فرنسا و توقيع الهدنة معها في 20 يوليوز1940، حيث بدأت تذيع برامجها باللهجتين المغربية و البربرية، كما أحدثت بباريس مكتبا للدعاية متخصص في الشؤون المغربية في دجنبر 1940 يديره القنصل الألماني" Vassel " يساعده مغربي إسمه "بوزين". و قد استخدمت ألمانيا أيضا في هذه الدعاية إبان حربها مع فرنسا المنشورات العربية و الفرنسية التي كانت تقذف بها الطائرات بكميات كبيرة على جبهات القتال و على المدن المغربية، كما استعملت مكبرات الصوت على الجبهات لمخاطبة الجنود المغاربة في الجيش الفرنسي بالعربية وذلك لاستمالتهم إليها مبينة لهم أنها تريد السلام و تدعوهم إلى ترك الخدمة العسكرية.
ومن جهة أخرى ركزت ألمانيا على دعم و تشجيع طبع ونشر المنشورات التي تهتم بالمغرب و شمال إفريقيا عموما، و من أبرزها نذكر على سبيل المثال :
1- "سينيال" و "سيكنال" : فالأولى مجلة ألمانية واسعة الإنتشار فيما بين 1940 و 1945، صدر عددها الأول في 15 أبريل 1940 ، ففي دجنبر 1940 تلقت وكالة " هاشين" بالدار البيضاء 1700 نسخة من تلك المجلة الألمانية فوزعت منها ألف نسخة بالعاصمة الإقتصادية تم أرسلت البقية إلى مختلف المدن الأخرى. و بعد تدخل الإقامة العامة، لم تتمكن مصالح الشرطة من استرداد إلا 37 نسخة من بين الألف الموزعة بالبيضاء، وبعد مرور نصف سنة على هذا الحجز أقدمت الإقامة العامة على إصدار أمر بمنع هذه المجلة في جميع أطراف المغرب لكن تم التراجع عن هذا المنع بتاريخ 17 غشت 1942 بطلب من سلطات " فيشي" و ذلك " لأسباب سياسية " ، أما "سيكنال" فهي الطبعة العربية لمجلة "سينيال" .
2- الجهير: مجلة شهرية يصدرها القسم العربي بإذاعة برلين ، و كانت تسعى إلى إقناع قرائها بمعاداة الأنكلوساكسونيين و الشيوعيين و اليهود، و جلب تعاطفهم نحو ألمانيا المراد إظهارها كقوة عظمى مناصرة للإسلام و المسلمين، وقد تم منع هذه المجلة بالمغرب بتاريخ 1942 رفقة زميلتها بريد الشرق .
3- بريد الشرق: هي مجلة نصف شهرية تصدر ببرلين، كانت تولي اهتماما كبيرا للأخبار المصورة قصد التأثير على القراء.
4- نشرة الأخبار و المغرب العربي: و هي مجلات ألمانية تصدر بالعربية و الألمانية هدفها خدمة المصالح الألمانية وتمتين العلاقات الثقافية و السياسية بين ألمانيا و الدول العربية.
و خلاصة القول، فإن العلاقات المغربية الألمانية لم تتبلور بشكل واضح خلال فترة الحماية الفرنسية على المغرب، وبعد حصول هذا الأخير على استقلاله كانت ألمانيا من الدول السباقة إلى إرسال سفيرها إلى المغرب، حيث عينت ألمانيا في 26 مارس1957 السيد H.Von Dersh سفيرا لألمانيا بالمغرب مما فتح عها جديدا في تاريخ العلاقات المغربية الألمانية.


المحور الثاني : العلاقات المغربية - الألمانية ما بين 1956 و 1966

بعد حصول المغرب على استقلاله، أخذ قادته السياسيون في التفكير في بناء الأسس الأولى لدولة حديثة ذات اقتصاد قوي و بنية تحتية كفيلة بتحقيق هذا المبتغى.
و هذا ما نستشفه من خلال العديد من خطب الملك الراحل محمد الخامس، إذ يقول في إحدى خطبه " لقد خرجنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر" فالمعنى الدقيق للجهاد الأكبر في الخطاب هو البناء السياسي و الاقتصادي لهذا البلد .
و في سبيل تحقيق هذه الطموحات، عمل المغرب على تبني نهج ليبرالي رأسمالي يعتمد المبادرة الحرة و اقتصاد السوق، وهذا ما يمكن أن نستشفه من خلال الخطب و التصريحات الملكية في المحافل الوطنية و الدولية، خصوصا و أن هذه الفترة كانت تتسم بسياسة الاستقطاب الدولي في إطار الصراع بين الكتلتين الغربية و الشرقية.
و هكذا بدأ التفكير في بناء مؤسسات سياسية ديمقراطية، حيث تم إنشاء المجلس الوطني الاستشاري الذي جمع كافة التيارات السياسية آنذاك (سنة 1956) ، و في ماي 1958 صدر العهد الملكي الذي عبر فيه الملك عن رغبته في تزويد البلاد بمؤسسات سياسية و دستورية مشيرا إلى أن أفضل نظام للحكم ينبغي أن تعيش تحته البلاد هو الحكم الديموقراطي، كذلك تم إصدار قانون الحريات في نونبر 1958 إضافة إلى إصدار قانون الانتخابات لفاتح شتنبر 1959 سيعرف المغرب على إثره أول انتخابات جماعية سنة 1960.
و يمكن اعتبار أن أهم ما تميزت به بداية عقد الستينيات، هو قيام أول تجربة ديموقراطية في المغرب وذلك بإجراء انتخابات تشريعية انبثق عنها برلمان يجمع كافة الهيئات السياسية في إطار التعددية السياسية، وتنصيب أول حكومة مسؤولة أمام الملك و البرلمان ضمن قواعد سياسية و دستورية حددها دستور 1962 الذي عرف نوعا من التوازن بين العمل الحكومي و العمل التشريعي.
و بتزامن مع البناء السياسي و الدستوري عمد المغرب إلى بناء سياسة خارجية فعالة عبر ربط مجموعة من العلاقات و الروابط مع مختلف الدول العربية الإفريقية و الغربية تجسدت أساسا في العديد من الزيارات الملكية لمختلف دول العالم و المشاركة في جل المؤتمرات الدولية، مما يبرز مدى انفتاح المغرب التام على المستوى الخارجي.
إلا أن أهم حدث سياسي عرفه المغرب خلال هذه الفترة، هو إعلان حالة الاستثناء سنة 1965 ، حيث عرف المغرب فترة جمود سياسي و دستوري حتى سنة 1970.

المبحث الأول :الإطار العام الذي تندرج في إطاره العلاقات المغربية الألمانية
إن الحديث عن العلاقات الألمانية مع المغرب لا يمكن استيعابها من دون وضعها في السياق العام الذي تدور في إطاره، ألا و هو علاقة ألمانيا مع الدول العربية بشكل عام. و ذلك على الرغم من أنه لا يمكن القول أن ألمانيا كانت تتبع سياسة موحدة مع جميع الدول العربية، كما أن هذه الأخيرة لم تكن تتفاوض مع ألمانيا ككتلة واحدة تجاه ألمانيا التي كانت تقوم بعقد علاقات و اتفاقيات ثنائية مع كل دولة عربية على حدة .
و كذلك الشأن بالنسبة لعلاقات ألمانيا مع دول المغرب العربي، حيث تميزت بطابعها الثنائي الصرف إذ لم تكن عبارة عن مفاوضات جماعية بين المغرب العربي ككتلة واحدة و ألمانيا، هذا من جهة ، و من جهة أخرى، فسياسة ألمانيا ما هي إلا جزء من السياسة العامة للمجموعة الأوربية تجاه العالم العربي و خاصة المغرب العربي.
و يبقى من اللازم الحديث عن كيفية تكوين و تشكيل السياسة الخارجية الألمانية و المحددات الداخلية و العوامل الخارجية المتحكمة في دلك حتى نحاول وضعها في إطارها العام مع الدول العربية.
فبعد الحرب العالمية الثانية سعت الحكومة الألمانية الغربية في عهد المستشار الألماني أدناور إلى تنبني سياسة خاصة في إطار صراعها الإيديولوجي مع ألمانيا الفيدرالية ، حتى كانت ألمانيا الغربية وفي إطار هذا الصراع ، لا تعترف بألمانيا الفيدرالية ، وقـد أطلقت على هذا المذهب إسم مذهب هالشتين - Hall Stein D. و مفاده أن ألمانيا لا تعترف بأية دولة ترتبط بعلاقات مع ألمانيا الفيدرالية (R D A)، وتعتبرها بمثابة عدو لها و بالتالي ينتج عن ذلك قطع العلاقات الاقتصادية معها و منع المساعدات الاقتصادية عنها خصوصا إذا كانت دولة من دول العالم الثالث .
و بعد مجيء " برا ندت " في سنة 1969 تغيرت السياسية الخارجية الألمانية، حيث أصبحت أكثر انفتاحا وواقعية متأثرة بمسألة توحيد ألمانيا، و لكن مع استمرار الفكرة العامة التي تركز عليها ألمانيا في سياستها الخارجية، و هي محاربة النهج/المد الاشتراكي.

المبحث الثاني : العلاقات المغربية الألمانية في المجال السياسي

بعد استقلال المغرب، و في إطار استكمال بناء مؤسساته السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية، سارع إلى ربط علاقات خارجية مع معظم دول العالم ، و بما أن المغرب اختار النهج الليبرالي كفلسفة عامة للنظام، فقد شكل ارتباطه بالدول الغربية ذات التوجه الرأسمالي خيارا أساسيا ، وفي هذا الإطار تدخل العلاقات المغربية الألمانية ، لكن الذي يميز هده العلاقات هو أنها علاقات تعود إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، وكانت دائما تعرف مدا و جزرا حسب تغير الظروف السياسية و الدبلوماسية بين البلدين.
وهكذا فقد عرفت هده العلاقات خلال فترة الاستقلال انتعاشا ملموسا، وذلك بعد فترة الجمود التي عرفتها انطلاقا من سنة 1919 )فترة الحماية( و تجسد هذا الانتعاش من خلال عودة التمثيل الدبلوماسي بين البلدين ، و يعتبر Von Dersh )فان دريش( أول سفير ألماني بالمغرب وذلك في 26 مارس 1957 ، كما سجلت هذه المرحلة توقيع العديد من الاتفاقيات ما بين البلدين.
و كان الحدث السياسي البارز خلال هذه المرحلة هو الزيارة الملكية في 5 شعبان 1385 الموافق 29 نونبر 1965 إلى العاصمة الألمانية بون.

ومما يدل على متانة العلاقات المغربية الألمانية التي عرفتها هذه المرحلة نورد مقطعا من كلمة ألقاها الملك الراحل الحسن الثاني خلال حفل العشاء الذي أقيم على شرفه، يقول جلالته: "إننا لا ننسى مدى التقدير المتبادل الذي بصم العلاقات بين العائلة العلوية و ألمانيا " .
و أخذا بعين الاعتبار لهذا التقدير، كان إرسال الحسن الثاني لبعثة دبلوماسية )سفارة( إلى الإمبراطور غيوم الثاني قصد تهنئته على توليه العرش .
و إذا أردنا أن نحيط أكثر بالظروف و البواعث التي ساهمت في التقارب المغربي الألماني، لا بد من التعرف على الظروف الداخلية و الخارجية التي عرفتها الساحة المغربية و الألمانية خلال هذه الفترة.
فمن جهة )بالنسبة للمغرب( سجلت هذه المرحلة مسألة اختطاف المهدي بن بركة سنة 1964 في فرنسا ، مما نتج عنه تأزم العلاقات المغربية الفرنسية انطلاقا من اتهام هذه الأخيرة للنظام الملكي بالمسؤولية في اغتياله ، ومن تم اتجه المغرب و كرد فعل إلى تحسين علاقاته مع ألمانيا كصفعة لفرنسا التي تجمعها علاقات متوترة تاريخيا مع ألمانيا التي تعد العدو التقليدي لفرنسا.
ومن جهة أخرى، كانت ألمانيا تعيش خلال فترة بداية الستينات أزمة في علاقاتها مع الدول العربية، وذلك نتيجة تسليمها لإسرائيل صفقة أسلحة أثارت استنكار معظم الدول العربية خاصة و أنها كانت تخوض معها حربا شاملة.
فما كان من ألمانيا، إلا أن احتضنت الدعوة المغربية لربط علاقات معها خاصة و أن معظم الدول العربية قطعت العلاقات الدبلوماسية معها باستثناء تونس ، ليبيا والمغرب .



المبحث الثالث : العلاقات الألمانية المغربية في المجال الاقتصادي و التقني

كان من نتائج انتعاش العلاقات الألمانية المغربية في المجال السياسي و الدبلوماسي، التوقيع على العديد من الاتفاقيات المتعلقة بالتعاون في المجال الاقتصادي و المالي و التقني.
أولى هذه الاتفاقيات كانت في 25 مارس 1958 و الخاصة بالنقل الجوي، قصد تدعيم الشبكة الجوية بالمغرب من مطارات و بنية تحتية ، إضافة إلى العديد من الاتفاقيات في مختلف المجالات نذكر منها أساسا:
- اتفاق تجاري و مالي.
- اتفاق للتعاون التقني و الاقتصادي.
وفي سنة 1961 تم التوقيع على اتفاقية متعلقة بتشجيع الاستثمار في المجال المالي ، حيث ساهمت ألمانيا في العديد من المؤسسات المالية الحديثة كالبنك الوطني للتنمية الاقتصادية (BNDE) و البنك المغربي للتجارة الخارجية (BMCE) بنسبة 10% .
و في سنة 1963 وقع البلدان اتفاقية أساسية متعلقة بمجال الشغل ، بالإضافة إلى العديد من الاتفاقيات في مجالات مختلفة:
-اتفاق خاص بالملاحة البحرية.
-اتفاق خاص بتنمية الفضاء السمعي البصري)الإعلامي( .
-اتفاق خاص بالتنمية الفلاحية .
-اتفاق خاص بالتكوين المهني في المجال الفندقي و السياحي و الفلاحي.
-اتفاق خاص بتقديم المساعدات التقنية في مجال زراعة قصب السكر و النباتات الزيتية.
-اتفاق خاص بتعميم الطرق العلمية لتخصيب المواشي.
إضافة إلى العديد من الاتفاقيات الأخرى التي تخص الميادين التالية:
- البحث المنجمي .
- إعداد البنية التحتية في ميدان المطارات .
- التصميم الجهوي .
- تمويل مشروع مغرب فوسفور.
- إعادة تهيئة ميناء أكادير.

المبحث الرابع : التعاون المغربي الألماني في المجال الاجتماعي

تعزز التعاون المغربي الألماني ليشمل المجال الاجتماعي و خاصة ما يخص العمال المهاجرين إلى ألمانيا و ظروف إقامتهم.
و هكذا عقدت ألمانيا مع المغرب أول اتفاقية تتعلق باليد العاملة في 21 ماي 1963 تشمل مجال التشغيل و التوظيف، هذه الاتفاقية كان لها هدفين:
1- توظيف العمال المغاربة في معامل الفحم.
2- تسوية و تنظيم وضعية بعض العمال الموجودين بألمانيا بصفة سرية و غير قانونية و الدين قدروا في هذه الفترة ب 20 ألف عامل مغربي .
هده الاتفاقية تنص كذلك على بعث لجنة ألمانية إلى المغرب مهمتها اختيار العمال المغاربة )لجنة مكونة من رؤساء المقاولات الألمانية( أوكلتهم مهمة الاختيار بتنسيق مع المكتب الفيدرالي الألماني للتوظيف و تأمين البطالة ، وكذلك بتنسيق مع وزارة الشغل المغربية التي تمدهم بالمعلومات حول الوضعية العامة للعمال المغاربة، و تعمل كذلك على خلق جو مناسب للاختبار الطبي و المهني للمرشحين للمهنة.
و هذه بعض الأرقام التي تبين تطور هجرة العمال المغاربة إلى ألمانيا :
عدد العمال المغاربة في ألمانيا السنة
1 1958
57 1959
130 1960
1095 1961
955 1962
485 1963
2320 1964
36 1965
14 1966

و قد جاءت هذه المبادرة الألمانية في إطار المنافسة مع فرنسا على جلب القوة البشرية المغربية ، حيث عمل ألمانيا ابتداء من سنة 1973 على إقامة لجنة دائمة في الدار البيضاء .
انطلاقا من هذه الاتفاقية يمكن القول أنها كانت موجهة أساسا نحو استقطاب العمالة المغربية، وهي تشبه في مضمونها معظم المعاهدات و الاتفاقيات المبرمة مع دول الإتحاد الأوربي ) فرنسا- بلجيكا( حيث كانت موجهة نحو المهن التي لا تلقى إقبالا من طرف الألمان مثلا ميادين : المناجم ، البناء ، الأشغال العمومية ، الزراعة(… ، إضافة إلى ذلك فإن هذه الأعمال هي ذات أجور ضعيفة مقارنة مع الأجور التي يتقاضها العمال الألمان ، كما أن التغطية الاجتماعية في هذه المهن ضعيفة.
و هكذا فقد استفادت ألمانيا من العمالة المغربية الجاهزة و المؤهلة بدنيا استغلتها في احتياجاتها الاقتصادية وذلك من دون نفقات) التكوين- التعليم( .

المبحث الخامس : العلاقات التقافية بين المغرب و ألمانيا
إن التواجد الثقافي الألماني بالمغرب بدأ منذ الإستقلال ، حيث عملت ألمانيا على ربط علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب منذ سنة 1956، و بموازة مع ذلك شهدت هذه الفترة نشاطا ثقافيا مكثفا .
فقد تمحور الحضور الثقافي الألماني في المغرب أساسا في المعاهد الثقافية التي تم تأسيسها في بعض المدن المغربية الكبرى خاصة الدار البيضاء و الرباط و طنجة ، وقد عرفت هذه المعاهد باسم كوت Goethe instituts.فقد تم تأسيس معهد كوت - الدار البيضاء منذ سنة 1960 و بالرباط و طنجة سنة 1961 .
وقد استطاعت هذه المعاهد احتلال مكانة هامة في المشهد الثقافي العام في هذه المدن و نواحيها، وذلك عبر المنتديات الثقافية و المعارض التشكيلية المنظمة بهذه المعاهد، وبصفة خاصة عبر العديد من الأنشطة الثقافية والأدبية و كان أول معرض تشكيلي في هذا الإطار هو معرض الفنان التشكيلي أحمد الشرقاوي وذلك في سنة 1961 ، كذلك في هذه السنة بدأت هذه المعاهد الثلاثة في إعطاء دروس في اللغة الألمانية و ذلك بغية منافسة اللغة الفرنسية و الإسبانية في الحقل الثقافي المغربي.
وهذه بعض الأرقام التي تبين مدى أهمية ومكانة و تطور هذه الدروس في أنشطة المراكز ( هذه الأرقام تهم عدد المسجلين بها ) :
* 1961 : 280 مسجل بمعهد كوت بالدار البيضاء/طنجة .
157 مسجل بمعهد كوت بالرباط .
*1965 : 431 مسجل بمعهد كوت بالدار البيضاء/طنجة .
131 مسجل بمعهد كوت بالرباط .
* 1967 : 645 مسجل بمعهد كوت بالدار البيضاء/طنجة .
227 مسجل بمعهد كوت بالرباط

منهجية تحليل نص تاريخي

ينقسم شرح النصوص وتحليلها إلى ثلاثة أقسام رئيسية: التقديم ـ التحليل ـ التعليق والتركيب
أولا:تقديم النص:
أ.نوعية النص:

ليس الوقوف عند نوعية النص كأول عنصر من عناصر التقديم أمرا اعتباطيا بل هو أساسي لاستخلاص وبكل دقة باقي عناصر التقديم. فمن خلال تحديد نوعية النص يتحدد صاحب النص وتتم الإجابة عن إشكالية العلاقة بين صاحب المصدر الذي أخذ منه النص. فما هي الطريقة التي نحدد بها نوعية النص؟
لا يمكننا البدء في تطبيق منهجية التحليل ما لم نقرأ النص قراءة متأنية لا نبغي من ورائها تحديد المضامين، فهذا أمر نؤجله للتحليل،وإنما الوقوف عند العناصر المحددة لنوعية النص،وتتجلى أهمية هذه المرحلة في كونها توجه انتباه الدارس إلى بعض الملاحظات المنهجية الضرورية لتحليل النصوص ونقدها والتعليق عليها،فكل نوع من النصوص له جوانبه من القوة والضعف، والنصوص التاريخية أنواع متعددة لا يمكن حصرها وإنما سنعطي بعض الأمثلة عنها: النصوص المقتطفة من كتب ـ الوثائق ـ مراسلات شخصية ـ سجلات تجارية....
ب. صاحب النص:
إن تحديد نوعية النص تساهم إلى حد بعيد في التعرف على صاحب النص،حيث لا نستحضر إلا المعطيات الدقيقة التي تهم صاحب النص وتفيد في فهم النص وفك رموزه.وإن أول ما نركز عليه من خلال الوقوف على صاحب النص هو تحديد الفترة الزمنية التي عاش فيها  إذ أن لذلك ارتباط وثيق بباقي عناصر التحليل، سواء تعلق الأمر بالإطار التاريخي للنص أو تعلق بتحديد  صحة  أحداث النص وصحة نسبة النص لصاحبه. ونلجأ في البحث عن هذه المعلومات إلى كتب الأعلام والموسوعات البشرية وكتب التراجم والسيرة الذاتية، على أننا نتوخى الإيجاز والتركيز والانتقاء الممنهج للمعلومات المتعلقة بصاحب النص من خلال:
ـ التعريف بقيمته العلمية والفكرية.
ـاستحضار الخلفية الفكرية وانتماءاته المذهبية والوقوف على مقدار اتصاله بالموضوع المعالج في النص.
ج.الظروف التاريخية للنص/السياق التاريخي:
تتجلى فائدة التعرف على تاريخ النص،في تحديد الفارق الزمني بين وقت كتابة النص ووقت وقوع الأحداث الواردة فيه،واستحضار الظرفية التاريخية التي يدور فيها موضوع النص وذلك لتسهيل عملية تحليل النص،وإدراك معانيه، والمطلوب هنا هو التدقيق في أمرين أساسيين والتمييز بينهما:
1ـ تاريخ كتابة النص     2 ـ تاريخ أحداث النص.
وبذلك يكون السياق التاريخي للنص هو التمهيد الضروري لفهم النص فهما صحيحا وتاريخيا.
د.مصدر النص:
نقف أمام حالتين متمايزتين هما :
أـ الحالة التي يكون فيها المصدر الذي ورد فيه النص هو نفسه المصدر الأصلي للنص.أي أن صاحب النص هو نفسه صاحب المصدر. ونقوم هنا بالتعريف بالمصدر تعريفا مستفيضا لأن التعريف به والتعرف على محتوياته ومنهجه ومنطقه سيفيد لا محالة في فهم هذا الجزء الذي هو النص.
ب ـ الحالة الثانية التي يكون فيها المصدر المشار إليه لمؤلف آخر غير صاحب النص الذي تم التعرف عليه قبلا. وهنا نعود إلى نوعية النص، فإذا كان النص كلا مستقلا فإن التعريف بالمصدر الذي ورد فيه وبصاحبه أمر ثانوي ، أما إذا ما أدرج النص ضمن المصدر كاستشهاد موضوع بين قوسين أو مرسل  فإنه لا يعبر عن رأي صاحبه فحسب بل وعن رأي الذي استشهد به أيضا وبالتالي وجب الوقوف عند صاحب المصدر والمصدر، إذا ما رأينا أن الأمر سيفيد في فهم النص عينه.




ثانيا:التحليل التاريخي للنص:
ويرمي إلى إدراك معنى النص، وتفسيره، وللوصول إلى ذلك نبدأ  بالنقطة  التالية:

أ.تقسيم النص:
ينقسم النص بطبيعته إلى عدة فقرات،يضم مجموعة من الأفكار المتناسقة،تدور حول فكرة النص الرئيسية،فالنص مركب يجب تفكيكه إلى أجزاء تدرس على حدة،فهو بناء له تصميمه الواضح،فمحلل النص وجب عليه الكشف عن هذا التصميم وإبرازه بصورة واضحة ودقيقة.
ب. شرح  المفردات  الواردة  في  النص:
نفصل فيه الحديث عن كل من الأعلام والتواريخ والمواقع الجغرافية والعبارات والإشارات الواردة في النص، لأن  تدقيق  هذه  المرحلة  يمكن  من  فهم أفكار  النص  والانتقال  لباقي  مراحل التحليل.
ج.الفكرة العامة للنص:
يعتمد استخراج الفكرة الرئيسية استقراء جميع الفقرات،وتقدم  الفكرة  الرئيسية  في  جملة  دالة  على  محتوى  النص،وشروط الفكرة  الرئيسية  ثلاث هي: الوضوح  والشمولية و الاختصار.

ثالثا: التعليق على النص:
ترمي هذه الخطوة إلى التأكد من الخطاب الوارد في النص من خلال:
ـ انتقاد المعلومات الواردة في النص واثبات مدى صحتها أو زيفها بناءا على الرصيد المعرفي حول نفس الموضوع.
ـ الكشف عن خلفيات صاحب النص واتجاهه الفكري والأيديولوجي/المذهبي وقيمته العلمية.
وينبني التعليق على مبدأ الشك بالمعطيات التي أوردها النص، وذلك انطلاقا من نقطتين أساسيتين:
أ.صحة  نسبة النص  إلى  صاحبه:
البحث في مدى معاصرة الكاتب للأحداث و مدى مطابقة الأفكار  والاديولوجية الواردة في النص مع أفكار الكاتب.
ب. صحة المحتوى:
تهدف هذه المرحلة إلى التأكد من محتوى النص،وتتم مناقشته بطرح تساؤلات حول ما ورد فيه من معلومات،و نقارنها مع ما ورد في مصادر أخرى.

ج.أهمية النص التاريخية:
تتفاوت النصوص من حيث الأهمية التاريخية،فإذا كان النص يخبرنا عن أحداث كان لها تأثير قوي في التاريخ،فانه  يكتسي أهمية خاصة،ويثير قضايا جديدة ذات أهمية كبرى في التأريخ للمرحلة التاريخية التي يتحدث عنها النص(التميز والسبق والانفراد...).
رابعا:التركيب/الخلاصة
ترمي هذه الخطوة إلى استخراج بعض الاستنتاجات وإبداء بعض الملاحظات المتعلقة بالنص،وصياغة خلاصة تركيبية أستحضر فيها موقفي الشخصي من النص انطلاقا من دراسة مقارنة بين ما جاء في النص ومصادر أخرى.

هل تصلح الأطروحة كتاباً؟ بقلم: الباحث جودت هوشيار



بلجأ كل من يحصل على شهادة الدكتوراه- والماجستير أحياناً – في العراق عموماً وفي أقليم كوردستان، خصوصاً، إلى نشر رسالته العلمية أو اطروحته بصفتها كتاباً، من دون إجراء أي تغيير يذكر على شكل ومضمون الأطروحة. وهذا أمر غريب، لأن الأطروحة والكتاب شيئان مختلفان كثيراً من وجوه عديدة ، ويمكن القول عموماً، أن الأطروحة في الأصل، ليست نصاً مخصصاً للقراءة من قبل الجمهور العام، وهي غير صالحة للنشر.
لذا لن تجد في الدول الغربية ، دار نشر واحدة تقبل نشر أي أطروحة علمية، وإن قبلت أحياناً، فأنها تشترط إجراء تغييرات جذرية وشاملة عليها. وهذا لا يعني ان الكتاب – أي كتاب – أفضل من الأطروحة، أو ان الأطروحة أقل شأنا من الكتاب، بل لأنهما متباينان من حيث الهدف، والهيكل البنائي، والشكل، والأسلوب، واللغة، وطريقة عرض المعلومات، والأهم من ذلك مدى الحرية التي يتمتع بها كل من صاحب الأطروحة ومؤلف الكتاب.
سنحاول في الفقرات اللاحقة، استجلاء الفروق الأساسية بينهما ومتطلبات تحويل الأطروحة إلى كتاب قابل للنشر .
الفروق الأساسية بين الأطروحة والكتاب :
1- الهدف :
يختار طالب الدراسات العليا موضوعاً لأطروحته في تخصص معين، بتوصية من الأستاذ المشرف في كثير من الأحيان، وهو ليس حراً في كتابة الأطروحة على النحو الذي يرغب فيه، بل يلتزم بالقواعد العامة لكتابة الأطاريح وبتوجيهات الأستاذ المشرف .
الأطروحة تكتب من أجل إثبات قدرة الطالب البحثية، وجدارته العلمية أمام لجنة مناقشة متخصصة ومحدودة العدد، تضم، في العادة، عدة أشخاص، وهي في الحقيقة لجنة امتحان للطالب المدافع عن أطروحته، وإذا أجتاز صاحب الأطروحة هذا الامتحان، وحازعلى موافقة اللجنة، يمنح الشهادة أو الدرجة العلمية .
والأطروحة في العادة، هي أول عمل للطالب ويسبق خبرته العملية، في حين أن الهدف من الكتاب هو أيصال أفكار المؤلف ومشاعره إلى القاريء العام، بأسلوب واضح وشائق. ويعتمد على آراء المؤلف، وليس أستعراض آراء الآخرين ومناقشتها والتعليق عليها.
2- الشكل :
تكتب الأطروحة حسب تسلسل تقليدي، يبدأ بشرح مبررات اختيار الموضوع، ثم أستعراض المراجع والمصادر، وعرض المشكلة، وسرد تفاصيلها، ومناقشة أفكار الآخرين، من أجل التوصل إلى استنتاجات محددة . وإذا كانت هذه الصيغة التقليدية الراسخة هي المطلوبة في الأطروحة، فإن لكل كتاب صيغته الخاصة التي تتلاءم مع محتوى الكتاب وأسلوب المؤلف ، الذي يميزه عن المؤلفين الآخرين.
الأطروحة حتى إذا كانت تشابه الكتاب، ظاهرياً، ولكن لن يخاطر الناشر – أي ناشر – على نشرها بصورتها الأولية، لأنها لن تستوفي معايير النشر المهنية ومتطلبات السوق .
3- المؤلف :
طالب الدراسات العليا، باحث مستجد، لم يسبق له في- معظم الأحيان – خوض غمار التأليف، وليس لديه خبرة عملية سابقة، ويخضع لتوجيهات الأستاذ المشرف وللتقاليد المتبعة في هذا الشأن، وفي مقدمتها منع كاتب الأطروحة من أن يقول أي شيء من عنده دون أسانيد مرجعية، لذا فإن الأخير، بالغ الحذر ويتخذ موقف الدفاع أمام لجنة المناقشة.
والأطروحة بشكلها التقليدي يبعث الملل والسأم في نفس القاريء العام بكثرة إحالته إلى الهوامش والمراجع، في كل ما يعرضه من آراء وحقائق . في حين أن مؤلف الكتاب لديه حرية اختيار الموضوع الذي يتناوله، والمنهج الذي يتبعه والزمان والمكان اللذين يختارهما للكتابة والأسلوب الذي يعرض به مادة الكتاب … ومؤلف الكتاب في العادة أكثر خبرة في أسرار الكتابة المشوقة .
4- الوسط المتلقي :
ثمة اختلاف في الوسط المتلقي ونوعية الجمهور القارئ، حيث أن قراءة ومناقشة وتقييم الأطروحة تقتصر على عدد محدود من الأساتذة الأكثر علما وخبرة من الطالب، في حين أن مؤلف الكتاب أكثر علماً بموضوعه من القاريء العام . وهو مثل دليل سياحي غير مرئي للقراء، أو راو لنتاج ابداعي وليس محاضراً واقفاً على منصة يلقي الدروس على طلبته.
واذا كان صاحب الأطروحة يريد جمهورا أكبر، عليه أن يعيد النظر في أطروحته وأسلوب معالجتها وصياغتها جذرياً. غير أنه يعتقد أن القيمة العلمية لاطروحته كفيلة أن يفنح له باب النشر، ولكن للناشرين رأي آخر وهو قناعتهم المسبقة أن الإقبال على قراءة الأطروحة المنشورة، سيكون ضعيفاً أو معدوماً ولن تلقى رواجاً ولا تبرر المال الموظف لطباعته وتوزيعه .
5- اللغة :
لغة الأطروحة جافة وغير واضحة للقارئ العام، ومثقلة بالمصطلحات في حين أن لغة الكتاب واضحة وسهلة، تخلو من المصطلحات، إلا ما هو ضروري أو عام .
6- التركيب :
الأطروحة غالبا متدرجة في تقديم المعلومات في مسار طولي يشبهه البعض بخطوط سكة الحديد، في حين أن الكتاب وحدة عضوية يربط بين أجزائها نسيج سردي محكم، والمؤلف حرّ في اختيار الهيكل البنائي الذي يلائم محتوى الكتاب .
تجربة جامعة ( اوكسفورد)
هنا يتبادر إلى الذهن فكرة، قد تبدو معقولة للوهلة الأولى، لماذا لا يلجأ الطالب، منذ البداية، إلى محو هذه الفروق، وذلك بكتابة أطروحته على نحو قابل للنشر ككتاب . وفعلاً قامت واحدة من أشهر جامعات العالم ، وهي جامعة ( اوكسفورد ) البريطانية بتجربة فريدة في هذا الباب . ففي التسعينات من القرن العشرين أصدرت قواعد جديدة لكتابة أطاريح شهادة الدكتوراه تنص على أن تكون الأطروحة، بعد إنجازها والدفاع عنها بنجاح، قابلة للنشربوصفها كتاباً.
ولكن مدير دار النشر التابعة للجامعة ( كولينج وود ) كان مضطراً إلى رفض نشر أغلب الأطاريح المكتوبة، وفق تلك القواعد، لأنها ببساطة كانت لا تصلح للنشر العام.
واضطرت الجامعة إلى تعديل تلك القواعد، لاحقاً بحيث لا يشترط أن تكون الأطروحة قابلة للنشر . وهذه التجربة تؤكد وجود اختلاف كبير بين الأطروحة العلمية والكتاب الأعتيادي . أما أوجه التشابه بينهما فإنها خادعة . الاطروحة تبدو ظاهرياً مشابهة للكتاب من حيث تسلسل الفصول، وجود مقدمة وخاتمة، والتغليف، والعناوين، والمواصفات الشكلية الأخرى. ولكنها، في معظم الأحيان، لا تقرأ ككتاب. وبالنسبة إلى الناشر والقارئ، هذا التباين له أهمية حاسمة .
مراحل تحويل الأطروحة إلى كتاب :
ينصح طالب الدراسات العليا باختيار ومعالجة فصل أو فصلين من لب أطروحته وتحويلها إلى مقالات، يمكن نشرها في مجلات، متخصصة أو عامة، حسب طبيعة المادة، وذلك من أجل اكتساب الخبرة في هذا المجال. وقبل تحويل الأطروحة بتمامها إلى كتاب قابل للنشرالعام .
وينبغي النظر إلى الأطروحة، كمسودة أولية للكتاب المنشود. وينصح العديد من الأساتذة – الذين أشرفوا على إعداد ومناقشة الأطاريح في الجامعات العالمية – صاحب الأطروحة بأن يضعها جانباً لفترة من الزمن، قبل اجراء التغيير عليها، ليتسنى له بعد فترة زمنية قد تمتد من ستة أشهر إلى سنة واحدة، فحصها وتقييمها، على نحو موضوعي، والنظر إليها وفق نظرة نقدية تحليلية، وهي عملية صعبة لأن صاحب الأطروحة لا يمكن أن يكون موضوعيا بما يكفي لإعادة تقييم أطروحته كخبير محايد .
لكي تتحول الأطروحة إلى كتاب جيد، فإنها بحاجة إلى إعادة تنظيم وصياغة وكتابة الأجزاء الأكثر أصالة فيها. وقد يستغرق هذا التحويل وقتاً لا يقل عن المدة المصروفة على إعداد الأطروحة. لأن المؤلف حين يكتب بوحي من ذاته، وبحرية من دون قيود أو توجيه، تنثال عليه الأفكار، على نحو غير متوقع . وله أن يضيف إلى كتابه أفكاراً جديدة لم ترد في أطروحته . ويشبه البعض الأطروحة بجوهرة خام، يمكن، عن طريق تقطيعها وتنعيمها وصقلها، تحويلها إلى جوهرة رائعة .
ثمة نقاط عديدة ينبغي أخذها بنظر الاعتبار عند أعادة صياغة الأطروحة لتصبح كتاباً مقروءاً نوجزها في ما يلي :
1- ينبغي التمعن في الأطروحة وهل توجد فيها مادة كافية لتحويلها الى كتاب؟ ما الأشياء المفيدة فيها، وما الذي يجب أن يضاف إليها أو إعادة كتابتها.
2- الفصلان الأول والأخيرهما أكثر الفصول إشكالية في أي أطروحة . الفصل الأول يتضمن، في العادة، أسباب اختيار موضوع البحث واهميته واستعراض المصادر والمراجع، التي يراد به إقناع لجنة المناقشة بأن الطالب قد قرأ البحوث السابقة ذات العلاقة، وهي ليست طريقة جيدة لتقديم الكتاب إلى جمهور واسع من القراء، لذا فإن مؤلف الكتاب – أي كتاب – لن يلجأ إليها، بل يقدم كتابه على نحو آخر وبأيجاز .ويتضمن الفصل الاخير للأطروحة الاستتاجات التي توصل إليها الطالب والقضايا التي ما تزال عالقة وتتطلب إجراء بحوث أخرى حولها. لذا ينبغي تطوير وتلخيص الاستنتاجات والإشارة إليها في ثنايا الكتاب وليس في نهايته. .
3- يجب كتابة مقدمة جديدة تتضمن الإشارة إلى فكرة الكتاب الرئيسية .
4- الاستغناء أو التقليل، إلى حد كبير، من الإشارة إلى الأدبيات والاقتباسات وكذلك الرسوم البيانية أو الجداول إن وجدت .
5- عدم الإشارة إلى أن الكتاب كان في الأصل أطروحة، لا في المقدمة ولا في المتن، لأن ذلك سيكون سبباً كافيا للإعراض عن قراءة الكتاب .
6- ثمة أشياء تعرفها لجنة مناقشة الأطروحة، ولا يقوم الطالب بتوضيحها، في حين أن اغلب القراء يجهلونها لذا ينبغي شرحها لهم .