السبت، 2 مايو 2015

حرب تطوان 1859- 1860



عبر المسار التاريخي المغربي الاسباني ، كان الاسبان يعتقدون دائما  أن لهم حقوقا تاريخية في المغرب، لأن حدود إسبانيا -كما يتوهمون- تنتهي عند حدود موريتانيا الطنجية، لذالك عند استرجاعهم للأندلس عقدوا العزم على مواصلة حروب الاسترداد لتحقيق أهداف استعمارية بحروب صليبية مقدسة. لكن اصدموا دائما بقوة المغربة – الموروس- ولذلك لم يترددوا في التدخل في أرضه سواء بالمباشر – سبتة وامليلية نمودجا- أم بتحريك عناصر مغربية ثائرة اعتمادا على قاعدتهم (( لا يغلب الموروس إلا الموروس))  فخلقوا من أجل ذلك مجموعة من القلاقل، وساندوا بالمال والسلاح مجموعة من الثوار من عهد المنصور الذهبي إلى عهد سيدي محمد بن عبد الله. لكن تدخلهم السافر لن يبدأ إلا بوصول عدوهم الأول السلطان مولاي اليزيد عام 1790م، فتسببوا في نهاية حكمه وزوال دولته ومقتله بواسطة النوار والمناوئين، لكنهم مع ذلك كانوا يهابون الحرب داخل التراب المغربي، ولن يغامروا بالتوغل في ترابه إلا بعد معركة إيسلي حيث خططوا لاحتلال مدينة تطوان في 6 فبراير 1860م.  فكيف تم لهم ذلك?
أ-  ممهدات حرب تطوان:
إذا كانت معاهدة 1799 قد أضفت نوعا من الفتور في التوتر التاريخي بين المغرب واسبانيا، فإن معركة إيسلي ونتائجها أعادت التوتر ليطفوا على السطح بين البلدين وذلك للأسباب التالية:
- غارات قبائل الريف على في كل الثغور المحتلة من طرف الإسبان.
- اغتيال دارمون V. Darmon الوكيل القنصلي الإسباني بمدينة الجديدة .
- استيلاء المغاربة على باخرة أسبانية.
- رد فعل قبيلة أنجرة المجاهدة ضد ما بنته اسبانيا خارج مدينة سبتة بتهديم وتخريب البنايات الإسبانية بل وتمزيق العلم الاسباني الذي كان مرفوعا فوقها.
لقد حاول المخزن المغربي  فض النزاع بطرق سلمية لكن الاسبان تشددوا في مطالبهم، وطالبوا  من السلطان بأن يتم إعدام 12 رجلا من وجهاء قبيلة أنجرة، وأن يؤدي الجنود المغاربة السلام للعلم الإسباني مع احتفاظ اسبانيا بحق بناء ما تراه خارج مدينة سبتة.
ب – المفاوضات العسيرة بين المغرب واسبانيا:
قاد المفاوضات من الجانب المغربي النائب السلطاني بطنجة محمد الخطيب الذي بالغ الجهد لإيجاد حلول سلمية، لكن اسبانيا مضت في تعنتها وتمسكها بشروطها خصوصا لما علمت بوفاة السلطان المولى عبد الرحمان في  29 محرم 1276هـ/  26 شتنبر 1859م، وإذا كان رأي الخطيب وبريطانيا تجنب الحرب فإن السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان مل من المفاوضات مع الأسبان الذين طالبوا برجال من رعيته، فاعتبر الإهانة أشد وقعا من الحرب، وكان الأسبان بدورهم متحمسين لهده الحرب خصوصا وأنهم أمنوا الجانب البريطاني، فأصدر الكورتيس الإسباني قرار الحرب في 22 أكتوبر 1859م، وكانت دوافعهم إليها كثيرة ومتعددة نذكر منها:
- شغل الرأي العام الإسباني الذي كان يعرف أزمة اقتصادية واجتماعية.
- الشعار الدول الأخرى بقوة اسبانيا العسكرية.
- شن حرب دينية ضد المغاربة الكفار بالمسيحية، وتنفيذ وصية الملكة إيزابيلا الكاثوليكية المتوفي عام 1504م والتي أوصت بنشر المسيحية في شمال إفريقيا.
- توسيع منطقة نفوذ سبتة، والاستيلاء على بلدة بليونس لتزويد المدينة المحتلة بالماء والمواد الفلاحية.
ب:  مجريات المعركة واحتلال تطوان : من سبتة وامليلية زحف الجيش الإسباني نحو تطوان وهاجموا في طريقهم الفنيدق واتجهوا نحو الوادي الحلو ليخوضوا بعد ذلك معركة خارج أسوار مدينة تطوان مع الجيش المغريي المحتشد هناكّ، في حيت قام الأسطول الإسباني بقنبلة مدينتي العرائش وأصيلا، ونظرا لانتصاراتهم التي حققوها، رغم خسائرهم البشرية بسبب شدة المقاومة وانتشار الوباء في صفوف معسكراتهم، فقد تمكنوا من دخول مدينة تطوان  بعد أن فر سكانها إلى المداشر المجاورة، فاستولى الأسبانيون على الأموال والذخائر، بل فكروا في الزحف نحو مدينة طنجة لكن تدخل بريطانيا منعهم من ذلك.
ج- نتائج الحرب: نتيجة تدخل ابريطانيا أبرم الصلح بين أسبايا والمغرب يوم 26 أبريل 1860م على مايلي:
- يؤدي المغاربة تعويضات الحرب للإسبان.
- بحتفظ الاسبان بالمدينة إلا حين حصولهم على  التعويضات، وفي حالة عجز المغاربة عن الأداء تضم اسبانيا المدينة إلى سيطرتها.
إن هذه الشروط لم يرض بها المغاربة كما لم ترض بها الإسبان داخل اسبانيا فقد كان الرأي العام الإسباني يردد قولة:« حرب عظيمة وصلح تافه». لذلك طالبوا بضم تطوان نهائيا إلى التراب الإسباني.
كما كانت هناك بعض النتائج الخفية نذكر منها ما يلي:
- السماح للإسبانيين بتعيين قناصل لهم في المدن المغربية وإنشاء البعثات الدينية.
- توسيع نفوذ التراب التابع لسبتة و امليلية.
- الاستفادة من الامتيازات التي تستفيد منها الدول الأخرى خصوصا فرنسا و ابريطانيا.
- فقد المغرب ما بفي من هيبته اتجاه الدول الأخرى
- خلع ملكة اسبانيا ايسابيلا الثانية من العرش الإسباني.
لقد أصيب المغرب نتيجة حرب تطوان بأزمة خانقة أثرت على بنياته الاقتصادية الإجتماعية، ولن يتمكن من الخروج من هذه الأزمة إلا بوصول السلطان مولاي الحسن إلا الحكم الذي سعى بكل ما يملك من قوة وحنكة  إلى تأدية غرامة حرب تطوان التي بلغت مليون فرنك ذهبي بالإضافة إلى عشرين مليون قيمة الفوائد للمقرضين الإنجليز، وكل ذلك كان سببا في الأزمة المالية في المغرب الذي لم يعد بمقدوره مقاومة شره التوسع الأوروبي بالرغم من الإصلاحات التي قادها السلطان مولاي الحسن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق