الأحد، 3 مايو 2015

تقرير الأستاذة خذيجة الراجي حول يوم من حياة أكادير امشكيكيلن


استقر نظرنا جميعا على أن يكون برنامج الأمسية متمحورا حول آكادير امشكيكلن ومنفتحا على محيطه الاقتصادي والقبلي في إشارة ذكية إلى علاقة التجاذب والتواصل الذي كان بين تلك المعلمة التراثية ومحيطها .
اتفقنا على أن المدخل المفيد للأمسية هو البدء بشريط وثائقي من انجاز الطلبة حول استعداد مدشر امشكيكلن لاستقبال ضيوفه .قام الطلبة فيه بتمثيل الحياة داخل مدشر إمشكيكلن قديما مركزين على اللباس التقليدي ونوع الوظائف والواجبات التي تقوم بها المرأة والرجل بالمدشر استعدادا لاستقبال الضيوف .
وتلا هذه الفقرة عرض شريط تشخيصي بالآمازيغية أيضا بعنوان:"يوم من حياة آكادير امشكيكلن"أبدع فيه الطلبة في استنطاق الرواية الشفوية والتراث المعماري من أجل إعادة الحياة إلى هذا المخزن الجماعي.
ثم عرض شريط مصور عن استقبال إيكودار للزوار من مختلف المناطق المجاورة و من جهات أخرى عبر القوافل التجارية ،وقد جسد الطلبة اللحمة التي كانت بين الأمازيغ المستقرين والعرب الرحل أيام الرخاء والأمن والطمأنينة.
وكان العرض الثالث فرصة لتعريف الحضور بثقافة الرحل ونمط عيشهم .ولجسيد حياة الرحل قام الطلبة بطرق خيامهم وتمثل حياتهم وإعادة انتاج سلوكاتهم اليومية في شريط قمة في الدقة والابداع وبلغة حسانية شاعرة وشاعرية.
وختمت العروض بروبورتاج مصور دقيق عن الواقع الحالي لآكادير امشكيكلن وما آل إليه من خراب وما يتعرض له من إهمال.
ساعات طويلة من البحث والتقصي والتكوين والزيارات الميدانية .حررنا فيها العشرات من الرخص واجرينا المئات من المكالمات الهاتفية وتلقينا فيها كما هائلا من الأوراق لتصحيحها وإعادة توجيهها وأشرطة وثائقية لمراجعتها والمصادقة عليها و قاعدة بيانات لا يستهان بها من صور لايكودار لاختيار الأنسب منها للعرض .
وانبثقت عن المواضيع الأولى أفكار جديدة ..وأبان الطلبة في المراحل عن حماس منقطع النظير.
وجاء اليوم الذي اختمرت فيه الأفكار واتضحت الرؤية وقررنا أن نخوض مغامرة أكبر :مغامرة عرض أعمال الطلبة على ساكنة قرية امشكيكلن...هما امتحانان:
امتحان للطلبة في القدرة على ايصال افكارهم واقناع اهل الدار بالكنز التراثي الذي تحتويه قريتهم. وامتحان أهل قرية امشكيكلن بوضعهم أمام مسؤوليتهم التاريخية في الحفاظ على تراثهم.
اليوم يوم العرض،كل الفرق مستعدة ومتحمسة ،شباب كلهم عزم ويقين وإيجابية ،لم يشوش على الجو الحماسي سوى تأخر الحافلة التي ستقلنا إلى مدشر ايمشكيكلن. دعمنا في اصرارنا وإيماننا بعملنا سر قوتنا أما الدعم المادي فلم نكن ننتظره من احد كان اتكالنا على الله سبحانه سببا في تيسير أمورنا كلها.
يفترض تقديم عمل ضخم كهذا توافر الامكانات المادية لن تتوافر في ظل سوء التقدير أو سوء التدبير أو هما معا لذلك لم نشا ان نعكر صفو عملنا بالمطالبة بدعم مادي قد يأتي أو لا يأتي ،وفضلنا طرق بعض الأبواب ليس لطلب دعم بل وضع الناس أما مسؤوليتهم التاريخية والحضارية والتراثية.تلقينا الدعم من سيدات فاضلات ،أحببن الفكرة وقدرن المجهود فبذلن ما تيسر لهن من أجل توفير سبيل من سبل النجاح.
دعمتنا مؤسستنا بطبع الصور ووضع اطاراتها وبلافتتين للاعلان عن الأمسية وبالحافلة التي أقلتنا إلى مكان العمل.
وتكفلت محسنات جزاهن الله خيرا بتوفير ما يحتاجه 50 طالبة وطالبة من أصحاب المشروع وما يقارب 20 آخرين من طلبة ومرافقين وتقنيين ، من أكل وشرب طيلة يوم العرض. وقدمت أخرى خدمة جليلة للمشروع بتوفيرها للكراسي وأدوات الانارة والصوت والشاشة وعاكس الصورة.وتطوع محب للتراث ،ودون استشارتنا ،بتوفير كراسي إضافية . وكل ذلك من فضل ربي.
ووضع السيد أمين مخزن آكادير امشكيكلن منزله ومنازل مجاورة لمنزله رهن إشارتنا وتحت تصرفنا ،جزاه الله عنا وعن طلبة العلم خير الجزاء.
انطلقنا من باب كلية الآداب على الساعة التاسعة من يوم السبت 14 يونيو ،حضر اغلب الطلبة ولم يتخلف إلا من غاب لمرض أو عذر قاهر ،تخلف وكله أسى وحسرة .يعلمون أنهم ذاهبون لبناء مقاربة جديدة للتراث، ولتأسيس نظرة بيداغوجية جديدة تحترم التراث بأنسنته وتعيد له الحياة بتماهيها فيه.
كانت لنا محطات ولحافلتنا وقفات ،الأولى من أجل حمل معدات الإنارة والصوت والتقنيين المكلفين بها.والثانية ببيوكرى لشراء ما يسد الجوع ويسند العزائم.
وصلنا إلى مدشر ايمشكيكلن حوالي الساعة 11 صباحا ،ورغم ان المدشر لا يبعد عن آكادير إلا بحوالي 60 كلم ونيف فإن تاخر الحافلة وكثرة التوقفات جعلتنا نتاخر في الوصول.
اجتزنا تيكوين وسلكنا طريق تارودانت المحاذي لمطار المسيرة وعرجنا عند مفترق الطرق نحو بيوكرى لنصلها عبر الطريق المار من أمام ضريح شيخها وعلامتها سيدي سعيد الشريف،عرجنا بعدها يسارا متجهين نحو أيت باها ،مرورا عبر ايمي مقورن .ويقع مدشر امشكيكلن على مشارف أيت باها التي يبعد عند ب6كلمترات فقط.
كان الجو صحوا والحراة معتدلة وإن كانت حرارة الزاول مرتفعة قليلا.سعادة الطلبة بالوصول لم يكن يضاهيها سوى فرحة امين آكادير امشكيكلن بوصولهم.محبة واحترام نسجا بينهما منذ شهور وحلم راودهما :طلبة متخصصين في التراث، وامين متخصص في حفظه او على الأقل ما بقي منه.
افرغت الحافلة من المقتنيات وتعاون الجميع عليها ،وانطلقوا في فرح وحبور نحو دار الأمين التي ألفت خطواتهم و اشتاقت إلى حكاياتهم.
اتفقنا في الحافلة على استراتيجية للعمل ، الأمسية بعيدة لكن العمل الذي ينتظرنا لانجاحها مازال كبيرا.فلكل دوره ولكل هذف لابد ان يحققه.
بعد الافطار وترتيب الغرفة انطلقت المجموعات في عملها المقرر والمرصود.اختارت بعض الطالبات جزاهن الله خيرا التكفل بالمطبخ وخدمة الجماعة، وانطلقت أخريات في جولة بالقرية يطرقن الأبواب ويعرفن الناس بالأمسية وأهدافها, وعمل فريق آخر من الطلبة على البحث على مكان استراتيجي لتعليق اللافتة وهرول آخرون نحو المسجد ووسط الدوار لاخبار رجال القرية وتجاذب اطراف الحديث معهم. وقامت فرقة أخرى بتنفيد فكرة خلاقة وهي تجميع حجارة بمنطقة مرتفعة بآكادير امشكيكلن واستعمالها في كتابة رسالة تم طليها بعد ذلك بالصباغة لتكون ظاهرة للعيان واضحة لكل رواد google earth والرسالة هي:
HOMMAGE AUX IGOUDARS
مع شعار جامعة ابن زهر.
وبما أن المناسبة شرط ،وبما ان من الطلبة من ينحدر من الأقاليم الصحراوية فقد تخصص بعضهم في الشاي وتفننوا في تهييئه.
لم نكن ونحن في نشوة الاستعداد نفطن لما يحاك من عراقيل لافشال الأمسية .خصومات قديمة وحروب خفية لا نعلم لها أساس ولا نريد أن نكون فيها طرف،لكننا وجدنا أنفسنا مضطرين إلى خوض فصل من فصولها .
حسن الظن والدفع بالتي هي أحسن هذا هو شعارنا ،لما لا ونحن أمام معلمة تراثية ،تراقب الحركات والسكنات في شموخ وتحد، وتوحي لنا كلما التفتنا إليها بأنها هاهنا شامخة تصارع تقلبات الدهر وتحجرات الأدمغة.
أنطقتني حجارتها وألهمتني القول حين افتتحت الأمسية التراثية :"والله لو قيد لهذا الآكادير أن يتحرك لرمانا بالحجارة وصرخ بأعلى صوته اغربوا عن وجهي جميعكم "
وهي نفسها من أحرقت قلب طالب لبيب وأسرت خاطره وصدح بالقول:"اعطونا مفاتيح إيكودار وسترون الحياة تعود إليها"
تذكرت وأنا أشهد بعض فصول الصراع ،بين جمعية لم نعلم بوجودها إلا أيام قلائل وأمين آكادير الذي تجمعني به شخصيا معرفة وتعاونا ناهز الخمس سنوات حول من سيحدد لنا المكان الذي سنضع فيه شاشة العرض، تذكرت قول الشاعر :أنام ملء جفوني عن شواردها,,, ويسهر الخلق من جراها ويختصم.
لم يسبق لأي مخزن جماعي"آكادير"أن استضاف أمسية تراثية طلابية .هذه إذن أول مرة يحتفي بها شباب بتراثهم على مشارفه وتحت نظره. شباب وأي شباب! طالبأت و طلبة جاءوا من كل أرجاء الجنوب ،من أقصى الجنوب من السمارة والداخلة، ومن آسا و الطنطان وكلميم وسيدي افني ،من واحات درعة :طاطا و فم لحصن وفم زكيد و زاكورة ومن الأطلس الصغير الغربي لخصاص ومن بسيط تزنيت وأربعاء الساحل ومن سهل سوس :أزرو وهوارة وتارودانت ومن الأطلس الكبير الغربي : أولوز.يجمعهم تخصصهم في التراث وإيمانهم بضرورة الحفاظ على الهوية الثقافية التى تستمد وحدتها في تعددها.
جاءوا جميعا لقول:" لا للإهمال الذي تتعرض له "ايكودار"".
توافد علينا الأستاذة وطلبة سلك الدكتوراه وطلبة سلك الماستر تخصص تراث ومحبو التراث ومهتمون ومشجعون ،وكنا كلما حل بين ظهرانينا ضيف تلقفه الطلبة بفرح وحبور وقادوه في جولة سياحية بآكادير امشكيكلن يسابقون الوقت ،قبل أن يحل عليهم الظلام فلا يمتعوا نظرهم بدقائق أموره و دقة بنائه.
تحول طلبتنا إلى مرشدين سياحيين ، مرشدين كما نتمنى ونطمح ،مرشدين مثقفين واعين بقيمة المعلمة التراثية التي نالوا شرف التعريف بها. وكنت كلما نظرت إلى وجه أحدهم وهو يشرح ويسرد حكاية هذا الآكادير ألاحظ سعادته الغامرة .لما لا وقد قادته هذه التجربة الفريدة إلى ان يكون هو مصدر العلم بعد ان كان طالبه.
منذ أربعة أشهر ونيف والطلبة يبحثون ويتقصون عن موضوع ايكودار خاصة ومواضيع تراثية موازية : كاللباس التقليدي والحلي والسوق التقليدي والحصير .
وزعت الطلبة إلى مجموعات تضم كل مجموعة من 5إلى 7 طلبة لكل دوره ومهمة محددة عليه اتقانها والتفاني في الاحاطة بكل جزئياتها.
مجموعة البحث وكتابة التقارير
مجموعة التصوير
مجموعة التشخيص
مجموعة إعداد روبورطاجات مصورة
وتطوع لتأطير هؤلاء الطلبة في دورات تكوينية :كل من الباحث رحال مبارك
الباحث مصطفى المرحوم.الباحثوالاعلامي النعمة ماء العينين .الأستاذة الجامعية والفنانة الفوتوغرافية فريدة بوعشراوي.
وكانت لهم عدة زيارات ميدانية لقرية امشكيكلن ومحيطها بتأطير مني وبدعم من أمين آكادير امشكيكلن السيد مبارك بن عمر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق