السبت، 2 مايو 2015

السلطان مولاي الحسن:الحرص على النظام وتنظيم شؤون الدولة بين المؤامرات وحبك الدسائس




ولد السلطان مولاي الحسن بن محمد بن عبد الرحمان في سنة 1247هـ/ 1831م – أي أنه ولد قبل معركة إيسلي- وأمه من أسرة الجامعي المنتمية إلى أولاد جامع القبيلة المستوطنة بأحواز مدينة فاس، ومنذ الطفولة المبكرة ظهرت على مولاي الحسن سمة الرغبة في التحصيل والتشمير على ساق الجد والاجتهاد، ووصف من طرف شيوخه في العلم والتربية بأنه: تام الرغبة في الدراسة، وفهمه صائب وحفظه ثاقب، وهو مشتغل بالقراءة على طول الأيام والسنين. لقد توسم فيه جده المولى عبد الرحمان بن هشام النجابة مع حسن الخلق، وكان يؤثره ويحبه ويلحظه بعين الرعاية، ومن أجل ذلك  اختار لتعليم الأمير مولاي الحسن دارا بقرية زيمة وسط قبيلة احمر على مقربة من الشماعية التي تبعد ب 87 كلم عن مدينة مراكش، وفيها نشأ وتعلم الرماية على يد مجموعة من شيوخها، و جعل الإنفاق عليه من خراج ملح بحيرة زيمة، وأعتبر السلطان مولاي عبد الرحمان ذلك لا شبهة فيه لينشأ من أنفق عليه منها في أحسن حال.
كان الأمير مولاي الحسن متعلقا بالدين ملتزما بأداء الفرائض في أوقاتها، وقد تمكن في طفولته المبكرة من حفظ القرآن الكريم وبعض المتون وجزءا من صحيح البخاري ومختصر خليل، و كان له ولوع بالأدب ومطالعة كتب التاريخ والسير وكتب السياسة والأحكام السلطانية، وحصل على إجازة مجموعة من علماء عصره في علوم الرواية والدراية، ومن الذين أجازوه العلامة المؤرخ أحمد بن الحاج السلمي، والعلامة المفتي سيدي علي المسفيوي. وقد لاحظ جون لوي مييج أن للسلطان مولاي الحسن ثقافة عربية متينة، بينما ذكر العروي أنه كان أقل ثقافة من السلطان المولى سليمان.
لما توفي السلطان المولى عبد الرحمان وصار الملك لابنه سيدي محمد أصبح المولى الحسن خليفة لأبيه بمراكش ونائبا عنه في كثير من شؤون البلاد، وذكر الكنسوسي في الجيش العرمرم أن الخليفة مولاي الحسن كان موفوضا من طرف والده كل التفويض في جميع شؤون الدولة ( الجيش العرمرم، ج.2، ص.112)، فحالفه النجاح في جل الألوية والرايات التي عقدت له وفي جميع المهام التي كلف بها، وكان في زمن ولاية عهده تطمئن إليه القلوب وتتشوف إليه العيونأ، فالنصوص التاريخية المعاصرة لمولاي الحسن الخليفة تذكر أنه كان محبوبا في ولاية عهده، مشهورا بالاستقامة، لذلك فإن وفاة السلطان سيدي محمد لم تخلف ذلك الخوف والقلق الذي ينشأ عادة عند وفاة كل سلطان.
كانت بيعة السلطان مولاي الحسن بمراكش قبل دفن والده سيدي محمد في 27 رجب 1290هـ/1873م وقد كان في حركة ببلاد حاحة في بلدة بوريقي، ثم تمت  بيعته بفاس في مهل شعبان من السنة نفسها،  وكتب نص بيعته العلامة سيدي عبد الكبير ابن المجذوب الفاسي، ووقع عليها الأشراف والعلماء والوجهاء وأعيان الدولة.
إلى جانب صفاته الخلقية تميز المولى الحسن بصفات جسمية قوية فهو صاحب بسطة في الجسم له قدرة فائقة على تحمل مشاق الرحلة والسفر، وخوض المعارك يكون دائما على رأس جنوده. و مما جاء في وصفه من طرف العلامة المفتي محمد السباعي:« ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، حسن القامة جدا يشه في فروسيته جده المولى عبد الرحمان، جميل الصورة، أبيض مشرب بحمرة، حلو الشمائل، شديد حسن المنظر، مليح اللحظ، ذو دين وعقل ووقار وخير وعدل، … بطل شجاع، مقدام شديد الهيبة ذو رأي وفطنة وهمة عالية، مع الحق يدور، وبيده أزمة الأمور.» (البستان الجامع.ص.513 )
أجمع المؤرخون والباحثون على أن مولاي الحسن سلطان أتى قبل أوانه وسابق لزمانه، وأن عرشه كان فوق جواده، وهو السلطان الصالح المصلح الذي لم يتوقف ولو للحظة عن السعي والذب والحبك، السعي إلى تطوير البلاد وإصلاحها، والذب عن ثغورها وحدودها، وحبك الدسائس بين الدول الأوربية باستغلال التنافس بينها، فهو سلطان عالي الهمة كثير الحركة، ولا بأس أن نذكر هنا قولة المؤرخ الفرنسي الكبير جان لوي مييج واصفا السلطان بقوله: « إنه ملك متبصر … له دراية فائقة بتنظيم أمور الدولة» بينما أسهب المؤرخ المغربي النبيه الدكتور عبد الله العروي في سرد أوصاف السلطان مولاي الحسن إلى حد الإعجاب فوصفه ب «الأكثر دراية بالسياسة، والأكثر حدقا في تصرفاته…والأقدر على التنظيم والمنهجة …ولم تكن منجزات عصره في مستوى همته».
صحيح أن السلطان مولاي الحسن لم يكن هو باني المغرب الحديث، ولم يكن هو السابق إلى الإصلاح والتحديث، بل وصف بأنه أقل جنوحا إلا التجديد من والده محمد بن عبد الرحمان لكنه في كل ذلك كان مواصلا ومتمما لأعمال سابقيه، مستفيدا من تجاربهم ، وكان محور دولته قائم على النظام والتنظيم، والإصلاح والتغيير و المحافظة مع الانفتاح والتجديد وفي كل ذلك توازن دون اختلال.
فمن الناحية الداخلية  يمكن أن نسلط الضوء على ما قام به من مجهودات سواء من خلال حركاته أم من خلال إصلاحاته، التي همت مجموعة من الجوانب من بناء المعامل إلى وضع تشريعات وقوانين وضرب السكة وإنشاء البريد وغير ذلك.
لقد كان  لمعركة إيسلي ولحرب تطوان والغرامات المالية والمعاهدات التجارية المفروضة من طرف الإمبريالية على المغرب أثر على المجتمع المغربي الذي ثار في مجموعة من بقاعه إما منددا بالاتفاقيات وبالتدخل الأجنبي، وإما مطالبا بالجهاد غير واعيا بتغير موازين القوى، وإما منتفضا ضد الضرائب والجبايات والمكوس التي أثقلت كاهله من أجل تسديد الديون الخارجية وشراء الأسلحة وبناء الأبراج ، ولكل هذه الأسباب وجد السلطان نفسه مضطرا للقيام بحركات متواصلة في أنحاء المغرب، حتى نعث بالسلطان المطفئ للحرائق التي لا تنطفئ في جهة  إلا لتشتعل في جهة أخرى، وقد كتب عن هذه الحركات الشيء الكثير، ومنها ما تزعمه رواة المدرسة الاستعمارية الفرنسية حيث رأوا فيها عمليات تأديبية واستنزافية للقبائل المغربية، وهي في نظرهم دليل واضح بأن المغرب كانت فيه قبائل السيبة، وكثير من الأراضي التي لا تنالها الحكام، بل زعموا بأن هناك أراض خلاء يمكن للمعمرين الفرنسيين تعميرها، لكن في واقع الأمر لم تكن حركات السلطان مولاي الحسن سوى استمرارية للحركات السلطانية التي عرفها تاريخ المغرب لتفقد أحوال البلاد. صحيح أن ما يثير الانتباه في العهد الحسني هي الحركات السلطانية التي شكلت العمود الفقري لحياة مولاي الحسن حتى قيل في حقه: لقد كان عرشه فوق جواده، ولخص ذلك مؤرخ الدولة الحسنية أحمد ابن الحاج بقولهأمير ينقلب في إصلاح الرعية بين سهل وجبل، ويظعن في الحر والبرد دون الطين والوحل، من الشروق للغروب، ومن الشمال للجنوب…يطلب بذلك رضى علام الغيوب » إن الحركات في سيرة هذا السلطان كانت موضوع أبحاث ورسائل جامعية، غير أنه لا يمكن أن نغفل هنا العمل الاجتماعي في الحركة حيث يعمل السلطان على تقديم المساعدات وجبر الخواطر، ويدعو السلطان القبائل إلى ما فيه الصلاح ويحذر من الفساد، وحتى إذا ما انهزمت القبائل الثائرة أمام المحلة فسرعان ما يدعو السلطان إلى الصلح والمسالمة، و العفو المسامحة، وتجنب الإضرار مع الصفح والإغضاء، ففي قضية ثورة الدباغين بفاس الشهيرة بعيطة بنيس وقف السلطان موقفا لخصه بقوله:« وأغضينا عن ما جرت به الأقدار، وسلمنا الأمر لعالم الإعلان والإسرار، وملنا لخير النجوى، ولم نمل مع الهوى، وتلونا وإن تعفو هو أقرب للتقوى» هذه المواقف تتكرر باستمرار اتجاه الثوار والثائرين سواء في البوادي أم المدن، فهذه سيرة السلطان مولاي الحسن، لذلك وصف بالشفيق الرحيم الذي فاق عفوه عفو الخليفة المأمون العباسي، لكن ذلك لم يمنع من استعمال الحزم مع قبائل ثائرة مثل غياثة والشراردة ومجاط والبرابيش والسماعلة وبني مطير وبني مگيلد وزيان، وكان الهدف من الحركة إليها كف أيديها من الاعتداء على القبائل المجاورة لها، والنظر في شؤونها وجبي الأعشار المستحقة عليها، وتعمير أراضيها، ومثال ذلك إصدار أمره بجمع عرب السهول من أعمال سلا لعمارة بلدهم واستصلاح أرضهم، وإنزاله عرب دخيسة وأولاد نصير بسهل سايس لتعميره وإصلاحه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق