السبت، 2 مايو 2015

الدلائيون من العلم والتصوف إلى الإمارة والملك:د اشرخان




ظهرت الزاوية الدلائية على مسرح الأحداث خلال العهد السعدي، وكان تأسيسها عام 974هـ/1668م، بجبال آيت إسحاق (مابين خنيفرة وقصبة تادلا) وتعرف أيضا بالزاوية البكرية نسبة إلى شيخها الأول أبو بكر الدلائي المجاطي المتوفى عام 1021هـ/1612م، واستمرت هذه الزاوية حوالي 100 سنة ، وجاء تأسيسها في إطار الحركة الجزولية لتأسيس الزوايا بالمناطق البعيدة من المراكز الحضرية المعروفة، وهكذا فقد قام أحد المتصوفة وهو أبو بكر الدلائي بتأسيس زاوية بجبال الأطلس المتوسط، فحاول هذا المؤسس تغيير ملامح الزاوية التقليدية وتطويرها وذلك بإضافة مرافق أخرى، كالمكتبة التي قيل إنها فاقت مكتبات الأندلس، حيث احتوت على أزيد من 10.000 كتاب، كما شيد جناح خاص بطلبة العلم وصل إلى 1400 مسكن، وسعى إلى استقطاب العلماء من مختلف بقاع العالم الإسلامي، ووفر لهم كل سبل الاستقرار لتصبح الزاوية الدلائية مركزا رائدا بالمغرب الحديث خاصة من الناحية العلمية، بل تجاوزت في بعض الأحيان حاضرة فاس سواء من حيث مكتباتها أو أسوارها وقصورها ومساجدها وأسواقها ودور نساختها. وهكذا فقد اهتم أهل الزاوية بتنويع تدريس العلوم التي تراوحت بين النقلية والعقلية وركزوا على هذه الأخيرة خاصة الرياضيات، المنطق، الفلك، الهندسة، التاريخ، الطب، البيان إضافة إلى الأدب وعلوم الدين، واستدرجوا علماء المشرق والأندلس للتدريس بالزاوية  ونذكر منهم على سبيل المثال: أبو علي الحسن الدرعي صاحب كتاب شرح  صغرى السنوسي في التوحيد وشرح لامية المجراد في قواعد الجمل في الحساب، والقاضي محمد ابن سودة الفاسي، والعالم محمد بن سعيد المرغيثي السوسي صاحب كتاب المقنع في التوقيت. والمؤرخ الشهير أحمد ابن القاضي صاحي كتاب المنتقى المقصور. وقد تخرج من هذه الزاوية جهابذة علماء العصر العلوي الأول نذكر منهم العالم الشهير أبو علي الحسن اليوسي والفقية عبد الواحد بن عاشر والعلامة المسناوي الدلائي.
لقد تحولت الزاوية البكرية من زاوية لنشر الطريقة الجزولية الشاذلية إلى الاشتغال بالشؤون السياسية، نتيجة الأحوال التي شهدها المغرب بعد الوفاة المفاجئة لأحمد المنصور الذهبي عام 1012هـ. وقد تحول مجموع من شيوخ الزوايا إلى أمراء أو حكام مناطق شاسعة أو متدخلين في شؤون الدولة المفككة أوصالها، ونذكر منهم ابن عبد المنعم الحاحي شيخ جبل كيك، ومدعي المهدوية الفقير ابن أبي محلي والشيخ أبو حسون السملالي شيخ زاوية إليغ، وعلى غرارهم عمل حفيد مؤسس الزاوية الدلائية وهو محمد الحاج الدلائي الذي نقل مجال عمل الزاوية من المجال العلمي إلى المجال السياسي فخاض حروبا ضد بقايا الدولة السعدية بمراكش وضد الإمارة السملالية بسوس وضد الدولة العلوية الناشئة، وتزعم حركة الجهاد ضد الأسبان بالمهدية، لكن طموحات هذه الزاوية انتهت أمام المولى الرشيد في معركة بطن الرمان عام 1079هـ، لكن نهايتها الفعلية كانت مع المولى إسماعيل. لقد جسد محمد الحاج الدلائي دور المثقف الذي حاول تجسيد الفكري فيما هو سياسي، وساعده في ذلك مكانة الزاوية في نفوس المنتسبين إليها والمتعلقين بها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق