السبت، 2 مايو 2015

آليات الدبلوماسية المغربية ومسألة التجاوز - بقلم: د. محمد بكور




أولى الشرع الإسلامي عناية خاصة للعلاقات السياسية بين المسلمين وغيرهم من الأمم والأقوام سواء في السلم أو الحرب. وقد اعتنى المسلمون عبر التاريخ بذلك وطبقوه في علاقاتهم الخارجية... وإذا كان المسلمون يعتبرون أوطانهم دار سلم فإن ما دونها هي دار حرب أو دار كفر65. وبسبب ذلك لم يول المسلمون الأوائل عناية خاصة للعالم الأوربي(دار كفر)، وتم إلى حد ما تجاهله خصوصا خلال الفترة الوسيطية عندما كانت الغلبة لصالح العالم الإسلامي. 66 لذلك كان المسلمون لا يحبذون التجارة مع الكفار((خاصة النصارى) حتى في حالة السلم، واعتبروا السفر إلى دار الحرب عملا مكروها حتى ولو كان من أجل التجارة67.

إلا أن تغير الظروف جعلت فقهاء السياسة المسلمين يوسعون مفهوم « دار العهد". وهكذا كانت السلطات الإسلامية تمنح " العهد " أو "الأمان " لغير المسلمين خاصة المسيحيين منهم الذين يسافرون إلى دار الإسلام، مما أدى إلى تسهيل وتطور العلاقات التجارية والدبلوماسية ما بين الدول الإسلامية والدول المسيحية 68، وشجع على استقرار المسيحيين بالعالم الإسلامي لما كانوا يتمتعون به من حماية باعتبارهم " معاهدين".

غير أن الملاحظة الأساسية التي يمكن إبداؤها في هذا الصدد هو أن مقابل" قانون الأمان" الذي كان يمنحه المسلمون للمسيحيين الأوربيين، لم يكن يوجد " قانون أمان" بالنسبة للمسلمين الذين كانوا يسافرون أو يقيمون في أوربا بمعنى آخر أن حياتهم كانت معرضة للخطر في أي لحظة69. ولعل السبب يكمن في اعتبار العالم المسيحي نفسه نظاما سياسيا دينيا (Politico-religieux) معاديا للإسلام ورافضا لأي توسع لهذا الأخير. ولهذا تحولت أوربا في كتابات المسلمين إلى عدو مركزي بدون منازع.

وفي هذا الإطار فإن حالة الصراع والحرب بين المغرب(دار الإسلام) وأوربا (دار الحرب) شكلت حاجزا سياسيا وعسكريا وأيضا نفسيا تحول دون إمكانية انتقال واستقرار المسلمين بتلك الديار70.

لكل ما سبق فإن الرحلة السفارية الدبلوماسية المغربية التي اتجهت نحو أوربا ظلت محكومة بالعلاقة التي ميزت دار الإسلام/ دار الحرب، والمختلفة عن نوعية العلاقات مع الدولة العثمانية: دار الإسلام/ دار الإسلام، فالعلاقات مع أوربا حكمتها – مهما كان التقارب- علاقة دولة إسلامية بدولة كافرة 71.

ضمن هذه المحددات إذن تشكلت العلاقات الدبلوماسية المغربية الأوربية خلال العصر الحديث، فمنذ بداية هذا العصر(ق 15م) اتجهت أنظار الأوربيين -أو"الغزاة الصليبيين” حسب تعبير العروي- إلى المغرب الأقصى بعد انغماسه في الانحطاط والتمزق، فاحتلوا الثغور المغربية بهدف احتكار التجارة البحرية. وسيطرت الدولتان الأيبيريتان سيطرة تامة على كل الموانئ المغربية 72، "حتى انحاز المغاربة إلى الأمصار المنزوية عن الأطراف والقرى النائية" كما يشير الناصري73.

وخلال القرن السادس عشر تمكنت "الحملات الصليبية" من طرد المسلمين والمغاربة من مجال التجارة البحرية- بعد طردهم من الأندلس- وأصبح الإتصال بين المغرب وغيره من المجتمعات الإسلامية، حتى الحج يتم إما برا وإما على ظهر سفن نصرانية74.

إنها "حملة صليبية أوربية"- يؤكد العروي- تمادت في مطاردة المسلمين حتى تحولت النصرانية إلى دين "الجهاد" المتواصل، لذا لجأ المغاربة إلى ما يسمى "بالقرصنة" عند الأوربيين ويسميه المسلمون " الجهاد البحري" في محاولة لمواجهة الغزو المسيحي المخطط والحازم75.

كيف تمكنت أوربا من تغيير موازين القوى لصالحها؟ وبالتالي تجاوز دول الضفة الجنوبية للبحر المتوسط؟

يؤكد العروي على ضرورة تسجيل مفارقة مؤلمة: ففي الوقت الذي كانت البلاد المسيحية شمال الحوض المتوسط تعيش ما سمي بالنهضة، أي إحياء العلوم القديمة واستكشاف المعمور وامتلاك الأراضي. كانت بلاد المغرب تسير في اتجاه معاكس عائد إلى حالة تتميز بركود التجارة وتراجع الزراعة76.

لم يقتصر التجاوز إذن على الجانب العسكري فقط بل شمل مختلف الجوانب الاقتصادية والعلمية والثقافية والاجتماعية والسياسية والدبلوماسية أيضا.

تدهور اقتصاد المغرب بعد انهيار التجارة البحرية، وتراجعت الصنائع المعروفة في المغرب سابقا أو التي أدخلها المورسكيون معهم بعد طردهم من الأندلس، بل تم محوها من الذاكرة العامة حتى أصبحت تكتسي صبغة الخوارق!77. وبالمقابل كانت أوربا تسير بخطى حثيثة نحو الثورة الصناعية والعلمية.

أما بالمغرب فلم يكن العلم في هذه الظروف يعني أكثر من "الحفظ" بالمعنى العام، أما الاجتهاد والابتكار فلم يكن يتلاءم مع متطلبات المجتمع... وهكذا قال العلماء للمنصور عند استشارتهم في أمر السودان" إن المتأخر لا يكون أعلم من المتقدم"! فهؤلاء، وهم النخبة المثقفة، كانوا لا يتصورون أفقا أعمق وأوسع من الدولة الموحدية، وحتى المنصور وإن بدا أكثر تفتحا من مستشاريه كان لا يحلم بأفق أبعد من القسطنطينية 78.

في هذه الظروف تكونت العلاقات الدبلوماسية المغربية الأوربية، فقد تضاعفت الاتصالات خلال القرن السادس عشر. وأخذت أوربا تولي الدبلوماسية مكانة متميزة باعتبارها أداة توغل الدولة الحديثة79. وكان السفراء الأوربيين يأتون للمغرب بهدف افتكاك الأسرى غالبا، لكن بعضهم مكث أعواما طويلة استطاعوا خلالها أن يجمعوا أخبارا كثيرة عن البلاد دونوها في مؤلفاتهم. وقدم من أوربا جواسيس أيضا لجمع الأخبار والمعلومات، ولعل هذا ما جعل المنصور يخترع شفرة للمكاتبات السلطانية80. في حين ظل المغرب حبيس ثقافته المنغلقة التي تعتبر السفر إلى بلاد الكفار حراما أو على الأقل مكروها!

ورغم تطور الدبلوماسية المغربية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، فإنها حافظت على نفس الخصائص التي اكتسبتها انطلاقا من المرجعية الثقافية القائمة على تعارض دار الإسلام ودار الحرب، وانطلاقا من واقع التجاوز الذي حققته أوربا الحداثة على حساب المغرب التقليدي.

فما هي الحالة التي كانت توجد عليها الدبلوماسية المغربية في هذه المرحلة؟ وهل يمكن الحديث عن دبلوماسية مغربية خارج المحددات التي طبعت علاقات دار الإسلام بدار الحرب؟ وإلى أي حد استغل المغرب الفرص التي أتيحت له لتطوير دبلوماسيته في ظل موجة الحداثة التي كانت تجتاح أوربا؟

للإجابة عن هذه التساؤلات والإشكالات لا بد في البداية من تحديد المفاهيم التي ارتبطت بالدبلوماسية المغربية واستخدمت في الكتابات المغربية.

تزخر الرسائل الرسمية المغربية بالعديد من المصطلحات التي تشير إلى السفارة: سفير، مبعوث، قونصو، باشدور،...81.

فما مدلول السفير؟ وإلى أي حد يمكن نعت المغاربة الذين زاروا أوربا في مهام رسمية بالسفراء؟

يؤكد عبد المجيد القدوري أن كلمة Embajador أو Ambssadeur لها مدلول مرتبط- بالتأكيد- بواقع أوربا، وبعبارة أصح بمؤسسات الدبلوماسية الأوربية " الحديثة". فقد ظهرت كتابات في أوربا عن السفراء والسفارة منذ القرن السادس عشر. وهكذا نجد التعريف بالسفير كالتالي:"السفراء وزراء يرسلهم الأمراء إلى الدول الأجنبية ليقضوا لهم أغراضهم وفق ما تقتضيه أوراق اعتمادهم وما يسمح لهم به القانون العمومي"82.

وأعطى ابن عثمان المكناسي مضمونا أوربيا لمفهوم الأنبشادور عندما قال:" وانباشدورس... يردون بقصد المقام بديارهم وسائط بين ملوكهم وبين الطاغية فيما يعرض لأحدهما عند الآخر، فيقيم أحدهم العشرة أعوام أو نحوها ويأتي من يخلفه ويتوجه هو"83.

ويرى ابن عثمان أن كلمة الباشدور دخيلة فهي لفظ أجنبي شاع استعماله حتى صار في حكم العربي. لذا نجده، وكل الذين أتوا من بعده، يستعملون كلمة مبعوث عندما يتعلق الأمر بالسفراء المغاربة " وكنت ممن تفضل..... فبعثني"84.

وفي هذا الصدد يتساءل الأستاذ الغاشي حول ما إذا كانت تسمية سفير بالنسبة للسفراء المغاربة نوعا ما مبالغا فيه أو على أقل تقدير لا تنسجم والمهام الموكولة إليهم وبالتالي: ألا ينطبق على هؤلاء صفات المبعوث أو الرسول أكثر من السفير لما تحمله هذه التسمية من مضامين ودلالات قد تتجاوز حجم السفير المغربي؟ إن من بين ما عرف عن السفارة المغربية أو بتعبير أدق المبعوثين المغاربة إلى مختلف المناطق التي انتقلوا إليها وخصوصا أوربا أن مدة إقامتهم كانت تعرف بالقصر، ولمهمة محددة يستعان فيها في غالب الأحيان بعناصر أجنبية أو ذمية كالتجار واليهود85.

وإذا كانت الرسائل السلطانية قد استعملت لفظة الباشدور، فإنها لم تقصد به أن إقامته تكون طويلة في البلد الذي يزوره86،.

من هنا يبرز الفرق بين السفارة في أوربا التي كانت مؤسسة واضحة المعالم تتميز بالاستمرارية وبالسهر على رعاية مصالح الدولة والعمل على تقويتها، وبين السفارة في المدلول المغربي التي هي عمل مؤقت أو مهمة وسخرة ذات هدف واحد87.

لم يكن للمغرب نية ولا اهتمام بتعيين سفراء دائمين أو على الأقل يقيموا لمدة طويلة لتمثيله عند ملوك أوربا، وإنما كان يرسل مبعوثين لفترات قصيرة جدا وفي مهام مضبوطة88. بل كان من الضروري عند إرسال بعثة سفارية تبرير ذلك شرعا، فالسفارة لا بد أن تكون من أجل مصلحة اقتضتها ضرورة الحفاظ على مكانة دار الإسلام وهيبتها89. في حين اعتمدت الدول الأوربية سفارات دائمة منذ القرن السادس عشر جاعلة من العالم الإسلامي إحدى مجالات تمركزها بما في ذلك المغرب90. وإذا كان الأوربيون في هذه المرحلة شجعوا السفراء والتجار للاستقرار بالمغرب، فإن هذا الأخير – وبتأثير من الفقهاء- كان يدعو إلى عكس ذلك. وفي هذا السياق يمكن أن ندرك أسباب اختيار جل التجار الموفدين في مهام مالية دقيقة إلى أوربا من اليهود ونادرا من المسلمين91.

 كيف يمكن تفسير هذا الاختلاف؟ لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال في غياب استحضار البنية الثقافية والفكرية لمفهوم الدبلوماسية كما كان يدركها الفقهاء والسلاطين. كما أن حاجيات الأوربيين في بلدان جنوب حوض المتوسط كانت أكثر وأوسع وأعقد بكثير من حاجيات هذه البلدان في أوربا92.

إن قصر المدة الزمنية لهذه السفارات كان له دور سلبي في عدم القدرة على استيعاب التطورات والمستحدثات الضخمة بأوربا، على خلاف تجربة رفاعة الطهطاوي المصري الذي قضى خمس سنوات بباريز في حين لم تتجاوز السفارات المغربية أشهرا 93. (الغزال:8 أشهر- العمراوي:4 أشهر...).

لقد كانت السفارة المغربية تندرج ضمن المنطق الإسلامي الذي يؤكد عزة المسلم في مقابل الكافر، وهذا ما تجلى في صيغ الترفع التي احتوتها خطابات السلاطين المغاربة للملوك الأوربيين...فمما جاء في الرسالة السلطانية التي بعث بها م. إسماعيل إلى الأمير الهولندي:" اعلم أن حامل هذا الكتاب...كان بعث به طاغيته لخدمتنا المباركة وبقي في الخدمة مدة أعوام، وقد طلب منا الرجوع... وها نحن وجهناه وأمرناه بالجواز إلى مسترضام، فنأمرك أن تستوصي به خيرا"94.

كما كان السلاطين يستعملون أساليب الابتزاز في مراسلاتهم وهو ما يخالف الأعراف الدبلوماسية. فها هو المولى إسماعيل يكتب بأنه لا يقبل الهدنة مع هذا البلد أو ذاك مثلا:" إلا أن توجهوا لنا بكروسة جيدة عجيبة أحببناها لدارنا العالية وستمائة قنطار من البارود الجيد"95.

ولم يكتف سلاطين المغرب بهذا الحد، بل صدرت عنهم تصرفات تعتبر مؤشرا لتبيان التجاوز الذي كان حاصلا في الممارسات الدبلوماسية بين المغرب وأوربا، فقد كان السلاطين يتدخلون للمطالبة بتعيين هذا القونصو أو إبعاد آخر. فقد وجه السلطان سيدي محمد بن عبد الله رسالة إلى العمالات المتحدة بتاريخ 12 شتنبر 1766 طالبا فيها العمل على إبعاد القونصو دي ميطري لأنه لا يتحمله. تقول الرسالة:" إلى جماعة الاسطادوس، سلام على من اتبع الهدى أما بعد، فإن قونصكم دي ميطري كبر سنه وتعددت منفعته لكم، ولم يوافق خاطرنا قبل، والذي يعجبنا هو أن تجعلوا في موضعه التاجر ككلير الذي هو خليفة قونصكم بثغر آسفي"96.

تصف بعض المراسلات الرسمية أيضا حكام الدول الأوربية ب"الطاغية"، نموذج رسالة م. إسماعيل السابقة. وإذا كان هذا الوصف قد غاب عن المراسلات الرسمية فيما بعد، فإن السفراء ظلوا يستعملونه في كتاباتهم لنعت الملوك الأوربيين حتى خلال القرن التاسع عشر، ولا شك أن هؤلاء كانوا يعبرون عن منظور رسمي97. فابن عثمان المكناسي يصف في رحلته التقدير الذي حظيت به سفارته من قبل الملك الإسباني قائلا:" وقد بالغ هذا الطاغية في إكرامنا وتعظيمنا..."98. ويستعمل العمراوي الذي أرسله الحسن الأول إلى فرنسا نفس الوصف:" فوجهني بكتابه الشريف إلى طاغية الفرنسيس..."99.

ولعل هذا ينسجم مع البنية الثقافية الإسلامية القائمة على "عزة" المسلم تجاه الآخر(الكافر)، لكنه يتنافى مع اللباقة الدبلوماسية التي اشتهر بها الأوربيون.

 ونورد هنا شهادة السفير الجعايدي أثناء سفارته إلى انجلترا حيث يصف التفوق الانجليزي في المجال الدبلوماسي من حيث دقة البرتوكول وضبط البرنامج وتواضع الأمراء:" وعند دخولنا إلى هذه العرصة تلاقى الباشدور بولد السلطانة ونحن معه، فأظهر من الأدب والتواضع ما يتعجب منه، وهو واقف كأحد الناس لابس لباسهم "100. وهذه الصورة تختلف كليا عن طبيعة الاستقبال الذي كان يخصصه السلطان المغربي للبعثات السفارية الأوربية، فقد كان السلطان يخرج ممتطيا جواده إلى أن يصل إلى الفناء المخصص للاستقبال فيبقى راكبا بينما يظل رئيس البعثة ورفقاؤه واقفين أمامه بكل الاحترام والإجلال101. وهذه المراسيم لم تكن تروق بعض ممثلي الدول الأجنبية وخاصة منذ نهاية القرن التاسع عشر، واعتبروها لا تختلف عن استقبال السلطان لأحد عماله المعينين على رأس عمالة102.

ونستشف استحضار هذه الثقافة أيضا في الرسالة التي بعث بها الأمير عبد السلام أخ المولى سليمان إلى قونصو فرنسا يستنكر فيها طلب القونصو بان يبادر السلطان المغربي بالكتابة إلى بونابارت. جاء فيها:" نصراني خدمتنا الشريفة فورني قونصو الفرنصيص، أما بعد، بلغنا كتابك ومعه كتاب للسلطان وقرأه وفهم معناه. والآن كيف يمكن أن يكتب لبونابارطي وهو لا زال جديدا ولم يأت من عنده كتاب ولا هدية التي يستحق عليها الجواب. وليس من القانون أن يبتدئ سلطان المسلمين سلطان النصارى بالكتابة. وحتى أنت لم يكتب في شأنك أنك قونصهم. فلا تعد إلى مثل هذا والتمام"103.

هذه النماذج وغيرها تؤكد أن الدبلوماسية المغربية بحكم انتمائها للدبلوماسية الإسلامية لجأت إلى تقسيم العالم إلى دار الإسلام ودار الحرب.. مما يجعل الجهاد ضرورة فرضها الدين والقانون لإدخال الإسلام إلى دار الحرب. ولهذا نجد الحضور المركزي لمفهوم الجهاد عند كل السفراء المغاربة الذين زاروا أوربا، ويكفي أن نشير فقط إلى عناوين بعض الرحلات104... ونرى السفير أحمد بن المهدي الغزال، الذي بعثه السلطان محمد بن عبد الله سنة 1766 من أجل عقد معاهدة الصلح مع اسبانيا، يبذل جهدا كبيرا في كتابه" نهاية المجتهد" لتبرير تخلي السلطان عن الجهاد وقبوله بالصلح. يقول" فرض علينا الجهاد بالكتاب والسنة وقرر أحكامه الشارع (ص) وسنه. فإنا لا نؤمن أعداء الله ولا نسلمهم إلا إن قالوا لا إله إلا الله، فان لم يقولها يقاتلوا قتالا ذريعا بنص الكتاب المكنون أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون"، لكنه يحاول التخفيف من مسؤولية السلطان قائلا" غير أنه عارضته في ذلك أمور... اقتضتها المصلحة الإسلامية في الحال وأكدتها المنفعة العامة فلم يسعه - بعد أن تأمل وتدبر- إلا الإجابة للمهادنة". ولا يكتفي الغزال بذلك، فإن التخلي عن الجهاد يحتاج لمبررات أقوى في نظره، لذلك يؤكد أن الصلح جاء بطلب من اسبانيا" ,أجاب (الملك الإسباني) بما فيه تلطف واستعطاف... وطلب الدخول في حرمة سيدنا... وألزم نفسه الطاعة بالخدمة في الحركة والأنفاس، وبث ذلك في قومه". وكانت نتيجة ذلك أن سلوك الإسبانيين تغير تجاه المغاربة " ومن العجب استغراقهم في محبة الإسلام, على أن هذا الجنس هو أشد عداوة وبغضا للمسلمين، حتى أنه يلقب بالعدو الأزرق، ثم استحالت عداوتهم محبة ومودة..."105.

هكذا إذن ظلت الدبلوماسية المغربية عاجزة عن فهم التحولات التي كان يشهدها حوض المتوسط، وما يتبع ذلك من ضرورة الانفتاح على الآخر والعمل على فهمه أكثر. ولم يستطع إدراك التجاوز الأوربي.

لقد أدرك السلطان محمد بن عبد الله حصول هذا التفاوت الكبير بين المغرب والدول الأوربية، لذا نهج سياسة تعتمد على مبدأ التوازن والمهادنة في علاقاته الخارجية، فاتبع سياسة الاعتدال بين خط الجهاد والمواجهة مع النصارى - ومن هذا المنطلق رفض أن يعقد أية اتفاقية مع دولة الروس تضامنا مع السلطان العثماني- وخط المهادنة التي كان يفرضها ميزان القوى106 خاصة مع الدول الأوربية القريبة من المغرب.

يمكن القول أن عهد سيدي محمد بن عبد الله يمثل الفترة الذهبية للدبلوماسية المغربية، فقد تبنى سياسة الانفتاح على العالم الخارجي. وكان أساس هذه السياسة البحث عن السلم والصداقة وخلق أسس جديدة من أجل التعاون مع أوربا107 في إطار نوع من التوازن: الجهاد – تشجيع التجارة والانفتاح الدبلوماسي على أوربا – تمتين العلاقات مع العثمانيين.

 وهكذا اهتم بشؤون البحر واعتنى بالأسطول حتى " دوخ ملوك النصارى في البحر وغنم منهم غنائم كثيرة وأسر من النصارى ما لا يحصى من الأسرى، وتكاثرت سفنه في البحر" لكنه في نفس السنة(1174 ه)" مكن النصارى من وسق الصوف بمرسى آسفي واهتم ببناء مرسى فضالة " وفي السنة التالية(1175 ه) " خرج الحاج عديل مع الفقيه السيد الطاهر بناني لصطنبول"108.

لقد أولى السلطان عناية خاصة للتجارة البحرية ولافتداء الأسرى سواء المسلمين أو غيرهم وهذا العمل الأخير أظهره عند الأوربيين بمظهر إنساني أكسبه احتراما وتقديرا كبيرين. ومما يظهر حزمه في هذا الموضوع رسالته للملك الإسباني" أما بعد، فأقول إننا في ديننا لا يسعنا إهمال الأسرى وإبقاؤهم في قيد الأسر. ولا حجة للتغافل عنهم من مّن ولاه الله تعالى التصرف والأمن"109.

وفي عهده برز السفير محمد بن عبد الوهاب بن عثمان المكناسي الذي أدرك خبرة وجاها كبيرين في الدبلوماسية المغربية، بل كان من مؤسسي هذه الدبلوماسية كما تدل على ذلك المراسلات الهائلة التي تتعلق به والتي توجد بدور الأرشيفات الأجنبية110.

خدم ابن عثمان ثلاثة ملوك سيدي محمد بن عبد الله(1757-1790) والمولى اليزيد (1790-1792) والمولى سليمان(1792-1822). وكانت له حظوة كبيرة داخل المغرب وخارجه111. بدأ مساره السياسي منذ أن عينه محمد الثالث كاتبه الخاص. وبفضل نجابته أرسله السلطان - الذي كان في حاجة لأطر كفأة لتوطيد علاقاته مع العالم الخارجي- سفيرا إلى اسبانيا 1779 لعقد معاهدة صلح مع كارلوس الثالث وفك أسرى المسلمين. وقد دون رحلته هذه في كتابه" الإكسير في فكاك الأسير"... وبعد نجاحه في هذه السفارة عينه السلطان وزيرا له، ثم أرسله سفيرا إلى صقلية ومالطة 1781 لافتداء أسرى المسلمين، وقيد هذه الرحلة في كتابه" البدر السافر لهداية المسافر على فكاك الأسرى من يد العدو الكافر". وبعد عودته من إيطاليا قاد سفارة أخرى على اسطنبول 1785م 112.

استمر ابن عثمان في خدمة السلطان اليزيد الذي بعثه "انمباشادورا" إلى اسبانيا 1790م. وبفضل ازدياد خبرته ومهارته الدبلوماسية وتجذرهما عينه السلطان المولى سليمان مسئولا عن كل ما يتعلق بالأمور الخارجية، وأصبح المسؤول المباشر والرسمي عن قضايا القنا صلة في المغرب كما توضح الرسالة السليمانية113.

تمكن ابن عثمان من أن يربط علاقات متميزة مع القناصل خاصة الجانب الاسباني، ولذلك اعتبرت وفاته بالطاعون 1799م خسارة كبيرة للمغرب ولأصدقائه في خارج المغرب.

هل كانت إرادة سيدي محمد بن عبد الله ونجابة سفيره ابن عثمان كافية لتطوير الدبلوماسية المغربية؟ بصيغة أخرى هل يمكن الحديث عن تراكم في التجربة الدبلوماسية المغربية؟

قد تتعدد الأجوبة (انظر مثلا عبد الهادي التازي وقارنه بعبد المجيد القدوري) لكن محاولة الإجابة عن هذه الإشكالات تحيل بالضرورة على الحديث عن سياسة الإصلاحات التي حاول المخزن إنجازها سواء في عهد محمد الثالث أو خلال القرن التاسع عشر.

كل محاولات الإصلاح كان مصيرها الفشل لأسباب قيل عنها الكثير (انظر على سبيل جرمان عياش). ولعل مركزية السلطان في هذه الإصلاحات واحد منها. لقد كان السلطان مصدر جميع السلطات ومركزها. وهكذا ظلت المبادرات التجديدية تموت بموت صاحبها. ولم يستطع المغرب بناء مؤسسات واضحة ذات اختصاصات محددة. وهذا ما ينطبق أيضا على الدبلوماسية.

كان السلاطين هم المتصرفون الحقيقيون في النشاط الدبلوماسي أو بتعبيرالقدوري" المنشط الأساسي للدبلوماسية المغربية"114. أما السفراء أو المبعوثين فلم يكونوا سوى منفذين للأمر السلطاني، "خدام الأعتاب" حسب اللفظ المحبب لجهاز المخزن آنذاك.

وإذا كانت أوربا بنت مؤسسات دبلوماسية قوية أصبحت تتخذها سلاحا للتوغل داخل العوالم الأخرى، ولم تعد قادرة عن الاستغناء عن خدمات دبلوماسييها الذين كانوا أداة لإدراك ذهنية النخب الحاكمة في هذه العوالم115 وحماية مصالح بلدانهم بها، فإن الدبلوماسية المغربية ظلت دبلوماسية مندرجة في إطار منطق "السخرة المخزنية"116 ولم ترق مطلقا إلى مؤسسة لها اختصاصات محددة وقوانين واضحة. بل ظلت مشتتة مرتبطة بطبيعة المهمة ورؤية السلطان وتكوين المبعوث أيضا، أي أنها ظلت حبيسة إرادة السلطان والمخزن وتجربة السفراء المبعوثين، ولذلك افتقدت الفاعلية والدينامية117. ومهما يقال عن دار النيابة التي أسست بطنجة منذ بداية القرن التاسع عشر، فإنها لم تكن بأي حال مؤسسة دبلوماسية بقدرما كانت أداة لعرقلة الإتصال الدبلوماسي بين السلطان والهيئة الدبلوماسية بطنجة، أنشأها المخزن سعيا منه لتقليص اتصالاته مع الأوربيين إلى أقصى الحدود للحد من التسرب الأوربي للبلاد118.

وهنا نتساءل هل كان السفراء المغاربة يمتلكون من الثقافة السياسية والإدراك الحقيقي للواقع والحنكة التفاوضية ما قد يطور الدبلوماسية المغربية ويجعلها مدرسة فعلا كما ينعتها عبد الهادي التازي؟

الحقيقة أن المغرب لم يول أية أهمية لتكوين أطره الدبلوماسية، فجميع سفرائه درسوا في الأسلاك التعليمية التقليدية، ولم يتلقنوا أي شيء عن علوم السياسة وبيداغوجية التفاوض. كانت المدرسة الوحيدة بالنسبة إليهم هي التجربة والممارسة الميدانية. وبالمقابل كانت أوربا تعطي الباشدور تكوينا خاصا يمكنه من الإلمام بشروط التفاوض ويجعله ذا كفاءة ومهارة عالية119، وغالبا ما كانت تختار سفراءها وقناصلها من المستعربين أو المستشرقين120.

ولذلك ظلت الدبلوماسية المغربية قاصرة عما كانت عليه في الغرب، رغم أنه يمكن تسجيل بعض الإستثناءات القليلة لبعض السفراء الذين استفادوا من خبرتهم وتجاربهم الميدانية كابن عثمان المكناسي الذي يعتبر من أنجب الدبلوماسيين المغاربة121 والحاج عبد الكريم بريشة الذي كان له إلمام بالاسبانية والفرنسية والانجليزية... بينما ظل السفراء الآخرون يحتاجون إلى مترجمين كانوا في أغلبهم من موظفي القنصليات بطنجة أو من التجار اليهود122.

لقد اختلفت شخصيات السفراء المغاربة وثقافتهم وتجاربهم، مما كان ينعكس على مهامهم السفارية123. وكان غالبهم من الفقهاء أو الشرفاء أو الكتاب أو الولاة الذين تلقوا تعليما تقليديا يركز على العلوم الدينية دون الاهتمام بفنون السياسة وأدوات التفاوض. ولذلك كان بعضهم شخصيات منغلقة على محيطها يغلب عليها طابع التردد والخوف والاغتراب كما هو الحال بالنسبة للتمكروتي الذي جاء به المنصور من زاوية بتامكروت دون أن تكون له خبرة كافية بهذا الميدان124. فقد كان أفقه الجغرافي محدودا في المنطقة التي عاش فيها... فإحساسه بالغربة طول رحلته واشتياقه لواد درعة وتشبيهاته المتكررة للسفن بالجبال الشوامخ، وميلها يمينا ويسيرا بالبهيمة التي تتمرغ في التراب، تعكس الأفق الضيق لهذه الشخصية. وكان شديد الخوف من البحر، يقول عن نفسه" وقد خصني الله سبحانه بالخوف الكثير من البحر... حتى كان الخوف يمنعني النوم، ينام الناس وأسهر أنا أرعى السفينة لا أقدر على ميلها، وإذا بدأ الريح وتحرك البحر وأزبد... فإذا رأيت ذلك طار عقلي... وخفت أن أموت غرقا". وقد قدم حكاية معبرة عن موقفه من البحر فقال:" ومما يحكى في بلادنا أن رجلا ممن امتحن في البحر وابتلي ببلائه حلف ألا يسكن إلا في بلد لا يعرفون البحر ولا آلته، فرفع مقدافا وجعل يسير من بلد إلى بلد ويعرّفه للناس إلى أن أتى به درعة، فقال لأهلها ما هذا؟ قالوا هذا آلة يدخل بها الخبز إلى الفرن ويستخرج، فسكن هناك"125.

أما أبو القاسم الزياني الذي يعتبر وابن عثمان من" مؤسسي الدبلوماسية المغربية في العصر الحديث"، فإنه لم يكن يختلف عن باقي السفراء المغاربة126. ورغم ثقافته الواسعة وتعرفه على مظاهر التطور الحضاري بمصر واستانبول، فإن كتاباته تحتوي على كثير من الخرافات والأوهام كزعمه بأن مبتكر طعام الكسكس هو طبيب من جن سليمان، وأن هناك جزيرة بآسيا ليس بها ذكر واحد إلا النساء، وغيرها من الخرافات127.

وإذا كان هاذين السفيرين (التمكروتي والزياني) قد توجها إلى الشرق الذي يقتسم نفس الثقافة مع المغرب وبالتالي لم تكن مهماتهما صعبة. فإن السفراء الذين توجهوا إلى أوربا كانت مهماتهم أكثر تعقيدا لأنهم كانوا مطالبين بفهم الواقع الأوربي. فهل استطاعوا تحقيق ذلك؟

يختلف الأمر بين السفراء حسب الفترات التاريخية، فالسفراء الذين زاروا أوربا خلال القرن السابع عشر والثامن عشر يؤكدون في مقارناتهم على تفوق الإسلام والحضارة الإسلامية على الدين المسيحي والحضارة الأوربية. يتضح ذلك من خلال الجدال الطويل والمناظرات الكثيرة التي كان أبو القاسم الحجري، الذي زار أوربا في عهد السلطان السعدي زيدان، يعقدها مع العلماء ورجال الدين النصارى وحتى مع النساء128. أو من خلال تفضيل الغزال الآلة العسكرية المغربية على الأوربية قائلا" ومع ما هم عليه من هذه الجموع الوافرة، لا قدرة لهم على مباشرة القتال صفا صفا إلا ما كان من رفع المدافع والبنب واستعمال الخدائع... وأما المحاربة على بسط الأرض بالخيول والرماة مكافحة من غير حصن، فلا طاقة لهم بذلك. فإن المائة ألف منهم تقاومها العشرة آلاف من المسلمين بنص الكتاب العزيز"129.

أما خلال القرن التاسع عشر فقد أصبح السفراء يلاحظون الفرق المهول بين ما هم عليه وما أصبحت عليه أوربا من القوة العسكرية والصناعات المذهلة والاكتشافات الهائلة، حتى قال المكناسي" والحاصل أن أمور الدنيا لم يعجزوا في شيء منها"130.

وبعد احتلال الجزائر وكارثة إيسلي 1844 اقتنع المغرب بمدى التأخر والانحطاط الذي وصل إليه الجيش المغربي التقليدي أمام الجيش الأوربي المنظم والمسلح بأحدث التقنيات، ثم جاءت هزيمة تطوان 1860 لتثبت تدهور البنيات الاقتصادية العتيقة. وهذا ما دفع المخزن لإرسال سفراء كثيرين كالعمراوي 1860 والجعايدي1875 والكردودي 1885. وإذا كان هؤلاء السفراء قد أدركوا مدى الهوة السحيقة التي تفصل أوربا عن المغرب، فإن ذلك ظل في إطار نوع من الفهم "الجبري" لمجريات التاريخ، يقول الطاهر الفاسي صاحب " الرحلة الإبريزية": " والحاصل أنهم دمرهم الله يستعملون أشياء تدهش، سيما من رآها فجأة، وربما اختل مزاجه من أجل ذلك، وفيه إشارة إلى أن طيباتهم عجلت لهم وذلك نصيبهم وحظهم"131. وهذا الموقف الرافض للحضارة الغربية تشبث به أيضا العمراوي الذي يؤكد أن "أمورهم بلغت الغاية وتجاوزت النهاية وأنه في الحال يعقبها الإنحلال". ثم قال " أو لم يعلموا أن سطوة الله لهم بالمرصاد، وأن أمره إذا نزل بقوم فما له من دافع ولا صاد"132. ويحذر الكردودي من الانخداع لهذه المظاهر والاغترار بها:"... وإلا فالمغرور من اغتر بزخرفهم واعتقد صدق محبتهم"133.

ولا شك أن هذه المواقف تجد تفسيرها في المقابلة التي كان يقيمها هؤلاء السفراء بين دار الإسلام ودار الحرب، أو بين الإسلام والكفر، كما تجد تفسيرها في غياب حضورهم الدائم بأوربا وقصر المدة التي كانوا يقضونها في سفاراتهم... هذا الغياب الذي جعل الغرب يرسم صورة عجائبية عن المغاربة وأحيانا خرافية وهمجية. فقد تحدث العمراوي أثناء رحلته عن تصور الفرنسيين للمغاربة:" كانوا ينظرون إلينا ويتعجبون من هيئاتنا فقد كان يتبعنا هناك من المتفرجين أكثر من ثلاثة آلاف من بين رجال ونساء... وقد أخبرنا ترجمان كان معنا أنه سمع امرأتين منهم تتحدثان في شأننا، فسألتاه عما يأكل هؤلاء الناس وهل أكلهم مثل أكلنا، فأجابهما رجل كان يسمعهما بأنهم يأكلون الآدمي وأن سلطاننا يهدي لهم كل يوم امرأة يأكلونها فتعجبن من ذلك"134. وهذه الصورة النمطية كان قد رسمها الأوربيون الذين زاروا المغرب منذ القرن السادس عشر، لكن الدبلوماسية المغربية لم تستطع تغييرها أو على الأقل تهذيبها.

خلاصات:

- لا زالت الدبلوماسية المغربية تعيش أزمة حادة ازدادت عمقا في الفترة الأخيرة. ولعل أسبابها لا تختلف عما أبرزناه في العرض، إذ نلاحظ استمرار نفس العقليات من:

* الإنفراد باتخاذ القرار وإبقاء هذا المجال حكرا على السلطان فيما الدبلوماسيين "خدام" ومنفذين للإرادة الواحدة. وهكذا لم نستطع إلى الآن إيجاد دبلوماسية مؤسساتية.

* إسناد المناصب الدبلوماسية لا يخضع لأي اعتبارات مرتبطة بالكفاءة، ولكن تتدخل اعتبارات أخرى لا علاقة لها بمجال الدبلوماسية مثل التقارب العائلي أو إرادة الإنعام على بعض الشخصيات السياسية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق