السبت، 2 مايو 2015

أوروبا في العصر الوسيط





إن كلمة أوربا كانت تعني في اللغة السامية أرض غروب الشمس، أو أرض الغرب، وهي تقابل في المعنى كلمة آسيا وهي أرض الشروق، لكن هناك تفسير آخر لكلمة أوربا يعتمد على اللغة الإغريقية، فالإغريق القدماء هم الذين أطلقوا كلمة أوربا على الأراضي الفسيحة التي تقع إلى الشمال من موطنهم الأصلي اليونان، وهكذا شبهوها بالوجه العريض نظرا لاتساع مساحتها التي تبلغ حوالي 10 ملايين كلم²، وهي بذلك تبلغ حوالي 7 ٪ من مساحة اليابسة، وعلى الرغم من صغر مساحتها بالنسبة للقارات الأخرى فإنها ذات أراضي صالحة للزراعة ومناخ ملائم للنشاط البشري. وقد عرفت في تاريخها تقدما حضاريا واقتصاديا، وساعدها على ذلك تنوع ثروتها الطبيعية والمعدنية، وطول سواحلها التي تفوق سواحل عدة قارات، ومن أهم تضاريسها السهل الأوربي الممتد من غرب أوربا إلى شرقها، ثم هناك المرتفعات الوسطى ومنها جبال الألب، وتخترقها عدة أنهار نذكر منها الراين والدانوب، إضافة إلى ذلك تنوعت شعوبها بتنوع أجناسهم وقومياتهم ولغاتهم، لنحصل في النهاية على تاريخ لأوربا غني ومتنوع كانت تفاعلاته الكبرى في العصور الوسطى. فما معنى العصور الوسطى؟
يطلق مفهوم القرون الوسطى -التي تعرف أيضا بالعصر الوسيط- على حقبة تاريخية مضت من عمر الزمان من القرن5م إلى القرن 15م، وهي عشرة من القرون من الزمان البشري بدأت بالغارات الجرمانية البربرية الكبرى بقيادة الجرمان الذين اكتسحوا الشمال الغربي ووسط أوربا، والهون Huns الذين اكتسحوا شرق أوربا وانتهت العصور الوسطى بفجر النهضة الأوربية الحديثة. غير أن هذا التحديد الزمني هو فقط وليد المدرسة التاريخية ومنها مدرسة الحوليات وذلك لتيسير الدراسة وتقريبها إلى الأذهان من لدن الباحثين المعاصرين. لكن المؤرخين القروسيطيين لم يدر في خلدهم ولم يذكروا في مؤلفاتهم القرون الوسطى منطوقا ومفهوما، بل كتبوا حول عصرهم كعصر حديث ومتقدم عن العصور القديمة، لذلك ظهرت في مؤلفاتهم دعوة إلى التغيير والتحديث – تماما كما هو حالنا اليوم- باستعمال مصطلحات تعبر عن نبذ الماضي ومخلفاته، مثل مصطلح الحداثة ومصطلح التقدم وهما مصطلحان أجوفان خاليان من أي معنى باعتبار أن كل مجتمع حديث في عصره متقدم على ما قبله، فرجال العصر الوسيط الذي ننعته اليوم بعصر الظلمات كانوا حداثيين ومتقدمين حسب زمانهم ومكانهم، ولذلك نجد في مؤلفاتهم أن التاريخ ينقسم إلى قسمين: عصر قديم وهو عصر الإغريق والرومان، وعصر حديث وهو العصر الذي يبدأ مع ولادة السيد المسيح عليه السلام، أي ما عرف فيما بعد بقبل الميلاد وبعد الميلاد، فمثقفو القرون الوسطى كانوا يتباهون بحضارتهم واكتشافاتهم مقارنة مع سابقيهم، ولذلك فلا نستبعد أن يأتي بعد قرون من عصرنا هذا من يصفه بعصر الانحطاط وعصر الحروب والاضطرابات وهيمنة القوة العظمى المتمثلة في القطب الوحيد أمريكا ومن ساندها من الدول الإمبريالية، ولهذه الأسباب فلا عبرة بنظرية المؤرخ الياباني الأصل الأمريكي الموطن فوكوياما حول نهاية التاريخ، بمعنى أن التاريخ خرج من دورته الحلزونية إلى خط تاريخي مستقيم تسيطر فيه وتسيره إملاءات إدارة البيت الأبيض الأمريكي لفرض الديمقراطية والحداثة على دول العالم الثالث ومنها مشروع الشرق الأوسط الكبير. والواقع أن التاريخ كالقطار له نقطة انطلاقة ومحطات للوقوف وسيصل إلى النهاية بانتهاء العالم.
ومن بين المحطات التي توقف فيها التاريخ محطة ما اصطلحنا عليه نحن بأوربا من القرن الخامس إلى القرن الخامس عشر، وسميت في جل الكتابات التاريخية بالعصور الوسطى فأين تبتدئ هذه العصور وأين تنتهي؟
¨ آراء حول البداية وأخرى حول النهاية للعصور الوسطى:
تعلمنا من دروس التاريخ أنه لا توجد هناك نقطة بداية وأخرى نقطة نهاية لأي عصر من العصور فكل عصر يشكل امتدادا لما قبله، وما نعيشه اليوم في المغرب هو بكل تأكيد من مخلفات الماضي فمازالت آثار وعواقب القرن 19 تنيخ بكلكلها على مسار المغرب في القرن 21 فعدم إدماج البعثات العلمية التي أرسلها السلطان المولى الحسن بن عبد الرحمان قلصت من حظوظ تطوير المغرب ونهضته.
وبداية العصور الوسطى من بداية القرن 5 ميلادي ونهايتها في القرن 15 هي مجرد تقسيم أكاديمي ومنهجي لتبسيط تناول أحداث الحقب التاريخية المتوالية. وظلت مسألة بداية العصور الوسطى محط خلاف بين الباحثين وربطوها بأحداث سياسية ودينية وعلمية واقتصادية، لكن يمكن أن نجمل ذلك في الأسباب التالية:
1- الأسبـاب الدينيـة:
إذا كان الإسلام سببا مباشرا في نقل الأمة العربية من الجاهلية المتناحرة إلى الأمة السمحة المتحدة. فقد رأى البعض أن في ميلاد السيد المسيح عليه السلام بداية للعصور الوسطى عام 1 ميلادية لكن هذا الرقم يمكن أن تعترضنا فيه صعوبات من الناحية التاريخية بسبب كثرة الاضطرابات والاضطهاد الذي تعرض له المسيحيون على يد الوثنيين بزعامة أباطرة متعاقبين على عرش الإمبراطورية الرومانية إلى أن جاء عصر الإمبراطور قسطنطين الذي تسامح مع المسيحيين، إلى حين صدور مرسوم ميلان في سنة  313م الذي اعترف بالديانة المسيحية وأحقيتها في التعايش إلى جانب الديانات الأخرى، فأصبح من حق معتنقي هذه الديانة إعلان ديانتهم وبناء كنائسهم. وقد ذهب البعض إلى أن قسطنطين نفسه اعتنق الديانة المسيحية، لكن هذا التسامح لم يدم طويلا حيث قام الإمبراطور جوليان المعروف بالمرتد الذي حكم ما بين 361 و363 حيث عاد إلى الديانة الوثنية من جديد وجعلها دينا رسميا للامبراطورية واضطهد المسيحيين وهدم كنائسهم لكن بعد وفاته كان عصره هو آخر عصر الديانة الوثنية.
وبذلك بدأت الشعوب الأوربية تعتنق الديانة المسيحية ومنهم الجرمان والقوط الذين تحولوا من الوثنية إلى المسيحية في أوائل القرن 4م، وظهرت في هذه القرون وسائل وأسباب لتمسيح بقية الشعوب التي استقرت وسط أوربا.
2- الأسباب السياسية لبداية العصور الوسطى:
يمكن إجمالها في الرأي الذي ربط بداية العصور الوسطى بالإمبراطور دقلديانوس الذي حاول إعادة أمجاد الإمبراطورية ما بين عام 284 و305م وقام بنقل عاصمة الإمبراطورية الرومانية من روما إلى نيقوميديا في آسيا الصغرى، واضطهد المسيحيين حتى لقب عصره بعصر الشهداء.
لكن نرجح أن بداية العصور الوسطى كانت عام 410م وهو العام الذي سقطت فيه روما في يد القوط الغربيين. هذا ملخص موجز في إشكالية بداية العصور الوسطى، فمتى كانت نهايتها ؟
إن نهاية العصور الوسطى يمكن نحددها في عام 1453 وهي السنة التي سقطت فيها القسطنطينية في يد الأتراك العثمانيين، فمع سقوط هذه المدينة غاب نجم الإمبراطورية البيزنطية، أي نصف مجتمع العصور الوسطى، ودخل الأتراك حاملين معهم الحضارة الإسلامية إلى أوروبا وساهموا بأفكارهم في قيام أنظمة جديدة ستظهر ملامحها في عصور النهضة. وهذه السنة أيضا هي التي شهدت نهاية حرب المائة عام الذي دارت رحاها بين بريطانيا وفرنسا التي انتصرت على البريطانيين واحتلت أجزاء من أراضيهم، وكان لذلك نتائج شملت الجوانب القومية والفكرية والاقتصادية التي عمت بطريقة تدريجية بقية الغرب الأوربي في بقية مراحل العصور الوسطى التي قسمها المؤرخون إلى ثلاثة مراحل:
أ- المرحلة الأولى: من بداية العصور الوسطى إلى القرن 10م وتميزت هذه المرحلة باضمحلال كل ركائز الإمبراطورية الرومانية وبداية الغزوات الجرمانية، ثم شهدت الفتوحات الإسلامية منذ القرن 7م حيث وصلت غربا إلى إسبانيا. وتميزت هذه المرحلة بانعدام الأمن في أوربا والصراعات الدينية حتى ساد المذهب الأرتدوكسي في الإمبراطورية البيزنطية والمذهب الكاثوليكي في غرب أوربا.
ب- المرحلة الثانية: وتمتد من القرن 11 إلى القرن 13م عرفت فيها أوربا نسبيا رخاء وأمنا وتطور فيها النظام الإقطاعي مع ظهور الجامعات والاهتمام بدراسة الفلسفة اليونانية والقانون الروماني، والاهتمام بالفنون والمعمار، وقيام زعامتين في أوربا هما الزعامة الدينية بقيادة البابا والدنيوية بزعامة الإمبراطور.
ج- المرحلة الثالثة: تنحصر في القرن 14 والقرن 15 وهي التي شهدت دخول أفكار جديدة من الشرق إلى الغرب ومن الجنوب إلى الشمال عن طريق الأندلس وصقلية، وشهدت الحروب الصليبية وحروب الاسترداد، والاستفادة من علوم المسلمين ونذكر على سبيل المثال من هؤلاء العلماء الذين ترجمت أعمالهم إلى اللغات الأوربية جابر بن حيان في الطب وفي الكيمياء، ثم الخوارزمي في علم الحساب، والفلكي الفرغاني الذي عاش في القرن 9م فقد ظلت أوربا تعتمد عليه في علم الفلك لزمن طويل، ومجموع أعمال الفيلسوف المؤرخ البيروني، ولا ننسى ابن طفيل صاحب مسألة بداية الخلق في كتابه “عودة حي بن يقضان”، وابن رشد وابن البيطار وابن النفيس الذي اكتشف الدورة الدموية كل هؤلاء ساهموا في حضارة ونهضة أوربا، فهل يعترف الأوربيون بذلك أم ينكرونه؟
كخاتمة للمدخل الذي تناولنا فيه بالشرح وحدة تاريخ أوربا وحضارتها في العصور الوسطى، وقد خصصنا فيه الحديث عن جوانب تهم المفاهيم بدءا بمفهوم التاريخ ومروا بمفهوم أوربا ومفهوم حضارتها وانتهاء بمفهوم العصور الوسطى مع ذكر إطارها التاريخي بمعنى أين تبتدئ وأين تنتهي? في إشكالية سميناها البداية والنهاية لعصر امتد من القرن الخامس الميلادي إلى القرن الخامس عشر الميلادي، وختمنا ذلك بذكر المراحل الثلاثة للعصور الوسطى مركزين على دور المسلمين في النهضة الأوربية. وإذا كان عمل المؤرخ هو استحضار الشواهد للمقارنة التي يتم بها فهم الحاضر، اعتمادا على أن فهم حاضر أمة لا يمكن إلا بفهم ماضيها، وذلك ما ندركه اليوم بسهولة عند رحلتنا إلى أوربا فإننا نشاهد شواهد تاريخية تحيلنا إلى العصور الوسطى وحضارتها، ومازال الأوربي يفتخر بتلك المعالم المتمثلة في الكنائس والأديرة والقصور التي شيدها الإقطاعيون وكلها معالم توحي بأهمية وقوة العصور الوسطى وحضورها في ذهن الأوربي المعاصر، بل إن جملة من العادات والمعتقدات وعلى رأسها الدين المسيحي كان في العصور الوسطى، ومن جملة ما نذكر هنا احترامهم وتكريمهم للمرأة موروث عن العناصر الجرمانية التي استقرت وسط أوربا ابتداء من القرنين 2 و3 للميلاد. ومن تلك الموروثات نذكر لباس هيئة المحكمة البريطانية وخروج الملكة إليزابيث بشكل تنطبق تماما على مكان في العصور الوسطى بالفرسان والعربات، بل أكثر من ذلك هو تجول مجموعة من القبائل والعشائر وسط أوربا بدعوة حقهم التاريخي في الظعن والإقامة ومنهم شعب الغجر.

هناك تعليق واحد:

  1. بعض فوائد دراسة التاريخ :


    1 – دراسة العديد من الشخصيات في اماكن وازمنة مختلفة تساعدك علي فهم الآخر .

    2 – قراءة الماضي تجعل من السهل عليك فهم ما يحدث حولك في الحاضر كذلك توقع ما قد يحدث في المستقبل .

    3 – استخلاص دروس مُستفادة مما قرأت هو احد المفاتيح الصحيحة لإتخاذ قرار سليم في الوقت المناسب .


    اذهب لغة انجليزية من اجلك

    ردحذف