السبت، 2 مايو 2015

الاحتلال الفرنسي للجزائر وأثره على المغرب.د.اشرخان



يدخل احتلال الجزائر ضمن المخطط العام للتنافس الدولي الذي خططت له الإمبريالية الاستعمارية للسيطرة على المزيد من الموارد الاقتصادية والمواقع الإستراتيجية المتحكمة في محاور التجارة الدولية.
وإذا كانت العوامل الدينية حاضرة ضمن الأسباب غير المباشرة لاحتلال الجزائر (حروب صليبية وحروب استرداد)، فإن العامل الاقتصادي المتمثل في اعتبارها مصدرا للحبوب والتمر والماشية والصوف والمرجان واعتبار موانئها مهيأة لترويج تجارة مربحة جعل الفرنسيين يعتبرونها ”أمريكا أخرى ” ، لذالك لم تكن المؤرخة الفرنسية أني ري كولد ريكير مبالغة عندما كتبت في مجلة الإكسبريس:«لقد ذهب الفرنسيون لغزو الجزائر كما ذهب الانجليز والاسبان سابقا لغزو أمريكا بالضبط، إن الجزائر بالنسبة للفرنسيين أمريكا أخرى وخصوصا وأنهم لم ينسوا هزيمتهم أبدا بكندا ». ويمكن أن نضيف لهذا العامل عامل التنافس بين فرنسا وبريطانيا التي وصلت إلى الهند ودخلت في مواجهة مع الفرنسيين إبان الحملة الفرنسية على مصر عام 1798م ، حيث ازدادت العلاقات توترا وتأزما في التنافس على المستعمرات. إضافة إلى ّذك هناك مجموعة من العوامل الأخرى التي ساعدت على احتلال الجزائر نذكر منها:
1- العوامل الداخلية: لم تكن الجزائر سوى ولاية من ولايات الإمبراطورية العثمانية الشاسعة التابعة لباب العالي في القسطنطينية حيث سيطر عليها الأتراك في القرن السادس عشر، ونظرا لبعدها عن مقر الخلافة العثمانية فقد كان حكمها مفوضا للداي الذي يعين بدوره في جهاتها مجموعة من البايات، الذين تناسوا دورهم الجهادي مع مرور العقود ليصبحوا مجرد جباة للضرائب، ينيخون بكلكلهم على السكان، مما أدى إلى مجموعة من الاضطرابات والثورات الشعبية تزعمتها الزوايا خصوصا القادرية والدرقاوية والتيجانية، مما حول الحكم في الجزائر إلى حكم عسكري، كتب عنه الباحث الجزائري يحيى بوعزيز: «كان طابع هذا الحكم عسكريا في أكثر مظاهره، فقد أهملت في الأخير شؤون ومصالح الأهالي وأرهقوا بكثرة الضرائب والمغارم التي يفرضها الولاة، ويشتط الجباة في استخلاصها بدعوى تزويد وتمويل الحملات العسكرية التي تجهز باستمرار لمواجهة هجمات القراصنة الأوروبيين» . ونتيجة كل ذلك هو الضعف الذي شمل جميع المستويات حيث أصبحت سلطة الداي اسمية فقط يحكم سدس مساحة البلاد. لقد أجمل السليماني في كتابه اللسان المعرب واقع الجزائر في القرن 19 بأنه قرن الجور والضعف وكثرة المصائب، وظهور الثوار وسقوط الحكومة التركية. إن جميع المصادر التي كتبت عن الفترة تؤرخ لمجموعة من الثوار الذين عمت ثوراتنهم في جميع الجزائر نختصر بذكر بعضها:
أ- ثورة عبد القادر بن محمد بن الشريف: الذي دخل إلى مدينة فاس وأخذ عن الشيخ مولاي العربي الدرقاوي، ثم رجع إلى وطنه وادعى أنه المهدي المنتظر، قال السليماني: « وتبعه الناس طلبا للتخلص من مظالم الترك وقاموا بنصرته، فأخذ يستلب الأنفس والأموال وخرب العمران» وقد تمكن من بسط سيطرته على جزء كبير من غرب البلاد التي طلب باياتها تدخل السلطان المولى سليمان للحد من هذه الفتن، فأرسل السلطان الشيخ مولاي العربي الدرقاوي الذي لم يتمكن من إخماد فتن أحد مريديه، وقد تمكن باي الجزائر من النتصار على الثائر اين الشريف الذي فر إلى المغرب واستقر في جبال بني يزناسن. لكن هذه الفتنة لم تكن إلا بداية لسلسلة من فتن أخرى، حيث ثار مجموعة من الثوار الذين تنطفئ نار فتنهم بمجرد ما تشتعل.
ب-ابن الأحرش المغربي: المشهور في حرب مصر ضد نابليون ، الذي استفاد من شهرته في الحرب ضد الفرنسيين، وفي طريق عودته إلى المغرب التقى في تونس بحاكمها حمودة باي الذي ألبه للقيام بثوره على حكام الجزائر بسبب العداوة التاريخية بينهما. لاشك أن هذا المغامر الذي حارب نابليون، كان يحمل في نفسه بوادر الثورة من أجل الإصلاح، بسبب ما رآه من الفوارق بين الجيش الفرنسي وبين الجيش العربي، ولاشك أنه انتهز أول فرصة حيث دعا لنفسه فاشتدت شوكته وسيطر على قسنطينة بغرب الجزائر، وقد أظهر كفاءة وتجربة كبيرة في فنون الجرب لكنه سرعان ما نهزم لعدم كفاءته وخبرته السياسية.
ج- ثورة محمد بن الشيخ سيدي أحمد التيجاني: هذه الثورة تبرز الترابط بين تاريخ المغرب وتاريخ الجزائر فهذه الفترة الحرجة من تاريخهما، حيث وجدنا جزءا من أهل الجزائر خصوصا في تلمسان ووهران يرغبون في الارتباط بسلطان المغرب بواسطة البيعة الشرعية كما سنشير إلى ذالك في المحاضرات للاحقة، لكن نشير هنا إلى أن الشيخ أحمد التيجاني كان قد نفي إلى المغرب من طرف الأتراك، وقد استقر بمدينة فاس التي دفن بها، لكن ولده محمد رجع إلى قريته عين ماضي ودعا لبيعته والخروج من طاعة الـترك، لان أهل والواسطة لم يعودوا يرون في حكم الترك شرعية دينية ولا أحقية تاريخية، بل إن فئة منهم كانوا يطالبون برحيل الترك من أرض الجزائر، وهو ما سيتم فعليا مع دخول الفرنسيين حيث رحل الداي حسين إلى مصر بينما رحل بقية الأتراك قسرا إلى إيطاليا، وقد استمر مشكل البيعة مع بقية القائمين بالجزائر ليتوج أخيرا ببيعة الأمير عبد القادر من طرف بعض القبائل بغرب الجزائر، لكن محمد التيجاني لم يتمكن من الصمود في وجه الأتراك الذين علقوا رأسه بباب مدينة الجزائر بينما بعثوا بسيفه إلى السلطان العثماني محمود الغازي.
إن هذا الحدث لم يكن سوى الشجرة التي تخفي الغابة بكل ما تحمله الغابة من القوة والتوحش والخوف، لأن مقتل محمد بن الشيخ التيجاني كان يعني مقتل الأتراك بالمغرب الأوسط والأدنى، أو كما علق على ذلك مؤرخ الجزائر الأعرج السليماني بقوله: « وكانت هذه القضية – قتل التيجاني- هي الطامة على الحكومة التركية الجزائرية، إذ بعدها بقيت في مرض من الأيام إلى أن كان ما سيتلى على القارئ ..» وهو استيلاء الفرنسيين عل الجزائر. فما هي العوامل والأسباب وكيف تم احتلال الجزائر?
2- العوامل الخارجية: هناك عدة عوامل دفعت فرنسا إلى الدخول في مغامرة احتلال الجزائر، وهذه العوامل متداخلة دينية وسياسية واقتصادية كان أساسها العامل الإمبريالي لتوزيع إمبراطورية الرجل المريض الذي يحق السيطرة على ثرواته وهو فوق فراشه يحسب شهور مرضه ويقضي أيام النزع الأخير.
وإذا كانت الأسباب الدينية معروفة بسبب ارتباطها في هذه الفترة بجميع المجالات ، فإن الأسباب السياسية تمثلت في الإخفاقات التي مني بها شارل العاشر داخليا بسبب نزاعه مع الأحزاب البورجوازية الليبرالية التي أللبت عليه الرأي العام، فحاول تهدئة الوضع الداخلي بتحقيق نصر خارجي، ادعى فيه تحقيق جملة من الأهداف، ومنها القضاء على القراصنة الجزائريين، وتحرير الأسرى المسيحيين الكاثوليك، والثأر لفرنسا التي أهين قنصلها دوفال بضربة المروحة من طرف داي الجزائر، والقضاء على تجارة الرقيق، بل ونشر الثقافة والحضارة وتمدين أمة من البدو الرحل، بمعنى أنه سيحمل أفكار الثورة الفرنسية، لأن الفرنسيين نظروا إلى أهل الجزائر كسكان أصليين يجب إدماجهم أو تصفيتهم تماما كالهنود الحمر في أمريكا.
ومن أجل إنجاح حملته هذه سخر حملة عسكرية قوامها 600 سفينة و 37 ألف رجل، دفع بهم إلى ساحة المعركة التي يجب كسبها مهما كان الثمن لأن نتائجها الاقتصادية مضمونة بتحقيق الأهداف التالية:
أ‌- إعفاء فرنسا وخصوصا تجار مرسيليا من الديون التي ترتبت عليم لصالح تجار الجزائر وتأخروا في تسديدها حوالي عشرين سنة.
ب‌- استغلال الموانئ الجزائرية والتحكم في التجارة بين ضفتي البحر المتوسط.
ت‌- إيجاد متنفس للفرنسيين الذين بلغ عددهم 25 مليون نسمة حيث هاجر منهم حوالي ثلاثة ملايين إلى الأراضي المحتلة بالجزائر. وبطبيعة الحال كان جل المهجرين من المغامرين والمفلسين والباحثين عن الثروة والاغتناء السريع، لأن فرنسا كانت في هذه المرحلة هي فرنسا البؤساء الذين يعانون من المجاعة وسوء التغذية، لذلك ظهرت لهم الجزائر كبلاد للثروة والأرض التي يسهل الحصول على إقطاعيات فيها، بل يمكن استعمارها وإلحاقها بالأراضي الفرنسية بعد إفراغها من سكانها، الذين يقدر عددهم بحوالي ثلاثة ملايين ونصف. لكن ذلك لن يتم بسهولة كما توهم الاستعماريون فمنذ أن نزلوا بشاطئ سيدي فرج في 24 يونيو 1830م، اندلعت المقاومة الجزائرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق