السبت، 2 مايو 2015

المغرب في القرن التاسع عشر



مفهوم القرن التاسع عشر:
أول إشكالية تواجهنا خلال دراستنا للقرن التاسع عشر هي أين يبتدئ هذا القرن وأين ينتهي? لأن مشكل البدايات من أسس البحث التاريخي، بل يحق للباحث المؤرخ أن يطرح تساؤلات من هذا النوع، وإن كان تصوره لوجود إجابات محدودة ارتباطا لمحدودية الزمان في البحث المتعلق بقرن واحد، أو لعدم إسعاف المصادر في الإجابة، أو لعدم طرح السؤال من طرف باحثين سابقين، والسؤال الذي طرحناه لم يسبق إليه ولو من باب الفضول العلمي.
ومن التساؤلات الدخلة في باب المغامرة التاريخية ولكنها جديرة بالاهتمام، التي يمكن أن تلحق بمشكل البدايات للقرن التاسع عشر هي ما مفهوم هذا القرن? وهل يوافق القرن 19 المغربي القرن 19 الأوربي? بل أكثر من ذلك نطرح سؤال هل كان المغاربة يدركون القرن 19 وهم لا يؤرخون إلا بالتاريخ الهجري الذي يصادف ق 13?.
ومن جملة التساؤلات التي تطرح علينا تساؤل حول وجود معالم كبرى يمكن أن نجعلها بداية لهذا القرن وأحرى نهاية له، بل يحق لنا أن نتساءل عن موافقة القرن 19 لنهاية العصر الحديث ولبداية التاريخ المعاصر.
إن هذه التساؤلات وما يشبهها تجد شرعيتها في مجال وحدة التاريخ المعاصر الذي نحاول فهم مكوناته وتبسيطها قصد تقريب محتوياتها إلى الأذهان.
إن مفهوم القرن 19 من خلال المعنى اللفظي يبتدئ منطقيا مع بداية سنة 1900م، فهذه السنة من الناحية الزمنية تعني نهاية قرن وبداية قرن، ومن الناحية التاريخية لا تعدو أن تكون سنة ضمن السنوات التي حكم في السلطان المولى سليمان بن عبد الله ابن إسماعيل [1792- 1822]، وهي بذلك استمرار لسنوات سلك فيها هذا السلطان سياسة الاحتراز اتجاه أوروبا، والسياسة الشرعية اتجاه المغاربة برفع المكوس والضرائب غير الشرعية حتى قال في حقه قنصل بريطانيا جورج دوكلاس: « يصلح هذا السلطان لأن يحكم بين الملائكة لا بين البشر».

-  أسباب داخلية وأخرى خارجية كمدخل للقرن 19:

1- الأسباب الداخلية : إن السنوات الأولى من ق 19 يمكن أن نجعلها مدخلا لهذا القرن، إذا أعطينا أهمية لسلسلة من الأحداث الجسيمة التي شهدها المغرب، و كان أبرزها الاضطرابات والثورات الداخلية المساندة والمدعمة من طرف جهات أجنبية، ونذكر هنا أساسا إسبانيا، وكانت أكبر هذه الاضطرابات التي شهدها المغرب في جبال الأطلس التي المتوسط والتي أسفرت عن سلسلة من انهزام الجيوش المخزنية من عام 1800 إلى عام 1819م مما كشف للمخزن مظاهر الضعف في دولته من خلال ضعف مؤسسة الجيش، والنتيجة هي ضرورة الإصلاح لإعادة هيبة الدولة التي لم تعد قادرة على توفير الأمن الذي تخلخلت بنياته، بل مفهومه الموروث عن دولة السلطان المولى إسماعيل الذي قيل في حق أمنه دولته : « تخرج المرأة والذمي من طنجة إلى وادي نون دون أن يسألهما أحد من أين وإلى أين » من شدة سيادة الأمن وهيبة الدولة في نفوس الثوار وقطاع الطرق.
وإذا أضفنا إلى هذه الأحداث التي شهدها المغرب مع مطلع القرن 19 حدث حلول الوباء بالبلاد منذ السنوات الأولى لهذا القرن، وشدة تأثيره في الساكنة وبنياتها الاجتماعية، حيث أفنى كثيرا من سكانه،   ومثال ذلك أن مدينة مراكش مات فيها بالوباء ما يقرب من خمسين ألف من السكان، مما أدى إلى تراجع عدد الساكنة المغربية القادرة على حمل السلاح ومواجهة الأخطار الخارجية،أصبحت هذه المعطيات مبررا وجيها كمدخل لهذا القرن.
لقد دأب كثير من الباحثين على جعل القرن 19م لا يشمل حكم السلطان المولى سليمان ولا يتطرق إلى أحاثه، بل ركزوا على فترة خلفه السلطان المولى عبد الرحمان ابن هشام [1822- 1859] وحجتهم في ذلك اختلال موازين القوى بين المغرب والإمبريالية الاستعمارية، بل منهم من اقتطع أزيد من 40 سنة من القرن 19 ليجعل بدايته تنطلق فعليا مع معركة إيسلي، التي أسفرت عن وجه ضعف المغرب الذي ظل يحافظ على هيبته التي ورثها عن معركة وادي المخازن، التي سحق فيها الجيش المغربي الجيش البرتغالي المعزز بمتطوعة أوروبا والمدعم بتأييد البابا عام 1588م، هذه المعركة التي أسدلت على المغرب أردية المهاب الجانب لمدة تزيد عن قرنين ونصف، وحتى عندما احتل الفرنسيون الجزائر عام 1830م لم يجرؤا بادئ الأمر على مهاجمة المغرب بجيوش برية لاعتقادهم في قوة جيشه، وهو الشيء نفسه الذي اعتقده الأمير عبد القادر بن محي الدين الجزائري وعبر عنه في رسائله التي وجهها للسلطان المولى عبد الرحمان ابن هشام.
وإذا كان احتلال الجزائر مقدمة للقرن 19، فإن معركة وادي إيسلي الذي لا يبعد إلا ببضع كيلومترات عن وجدة، هي مدخل وجيه لهذا القرن وحجتهم في ذلك مبنية على بداية لاحتلال لأجزاء من التراب المغربي في شرقه وجنوبه، خصوصا أن المغرب أصبح جارا لدار الكفر والحرب بدل دار الإسلام.
2- الأسباب الخارجية: إذا كانت الظروف الداخلية وجيهة في تحديد معالم بداية القرن 19، فإن هناك ظروفا خارجية يمكن اعتبارها مدخلا لهذا القرن وذلك إذا اعتبرنا أن المغرب لم يخرج عن محيطه الدولي فهو يؤثر ويتأثر، وكانت أبرز هذه المعالم المؤثرة فيه هي الثورة الفرنسية التي تزامن اندلاعها عام 1789م مع آخر سنة من حكم السلطان سيدي محمد بن عبد الله، ولاشك أن أصداءها وأفكارها وصلت إلى المغرب، وقد أجمل الدكتور عبد الحفيظ حمان أثر هذه الثورة في كاب سماه المغرب والثورة الفرنسية، وقد بين في أطروحته هذه أن فكرة غزو المغرب كانت حاضرة في أذهان بعض قادة الثورة الفرنسية في سنواتها الأولى، بل لقد أرسل نابليون بعض الضباط لتهيئ غزو المغرب، لكن الظروف الدولية حالت دون ذلك وخصوصا الوضعية العسكرية في الساحة الأوربية، ورغم ذلك فإن الحملة الفرنسية على مصر 1798م كانت من المؤثرات الكبرى في مجرى تاريخ العالم الإسلامي الذي تغير مساره وأصبح في وضعية المستهدف في عقر داره، ولأسباب إستراتيجية كان أثر الحملة الفرنسية على المغرب بالغ الخطورة بسبب مخططات الإمبريالية الفرنسية الهادفة للسيطرة على التجارة الدولية، وذلك بتحويلها من رأس الرجاء الصالح إلى البحر الأبيض المتوسط عن طريق شق قناة السويس، وزحزحة نفوذ بريطانيا من جبل طارق. وبالجملة فإن الحملة الفرنسية على مصر أثرت وإن بشكل نفسي في المغرب الذي كان تصله الأخبار عن مصر وانهزام جيوشها لان مصر هي الممر الاستراتيجي للركب الحاج المغربي الذي هو صلة وصل بين الشرق الإسلامي وغربه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق